رحلتي في متابعة المواقع الفنية والإخبارية تعود لسنوات بداية تعاملي مع الإنترنت عموماً، بحكم المهنة والاهتمام، لا أترك موقعا مهتما بالفن عربيا أو أجنبيا إلا وزرته ولو مرة، ومن بلاد تركب الأفيال إلى بلاد تركب الرولز رويسن تنوعت أساليب وقيمة المواقع الفنية، وأصبحت أصنفها كمراجع للمتابعة الخبرية، ولكني عَجْزت وعجِّزت وأنا أتابع وأحاول تصنيف المواقع المصرية، حتى تلك التابعة للصحف القومية والخاصة الكبرى، وبشكل خاص بعد تطورها خلال السنوات الأخيرة من مواقع تنقل عن النسخة الورقية للجورنال الأخبار والمقالات، لتضيف من وكالات الأنباء الأخبار العاجلة.
هل هي مواقع إخبارية تحتوي أقساما للفن، أم مواقع نميمة وشائعات؟
هي تعتمد بالطبع على الترافيك الذي يجلب لها زيارات مثيرة ورواجا وإعلانات، وماله؟ حقها.. وكل موقع حر، حتى لو قرر تسخير مجهوده الصحفي للتفاهة، لكنه ليس حراً في الفبركة والاستعباط وإلهائنا بشائعات وأخبار محرفة، والإصرار على عدم تعديلها أو حذفها رغم ثبوت عدم صحتها، وعدم الإعتذار للقارىء عن تقديم هذا الهراء وتضييع وقته!
بدأت هذه المواقع في مخاطبة جمهور محدد، هو جمهور الفيسبوك وتويتر وانستجرام، وهي تبحث عما يلفت نظره وانتباهه فقط، ومع مرور الوقت، لم تعد رسالتها الصحفية إخبار القارىء بالخبر وتزويده بمادة راقية للقراءة.. يعني أي موقع جورنال محترم مثل الديلي ميل، أو واشنطون بوست، أو حتى موقع جريدة الهفينجتون بوست الذي يصدر إلكترونياً فقط، ماذا تقدم لقارىء الإنترنت؟
دعوني اركز على قسم الترفيه، وهو يشمل كل أنواع الفنون.. آخر الأخبار الفنية وأغلبها يركز على العمل الفني نفسه.. خبر عن فيلم جديد، أو تجديد مسلسل ناجح، أو ألبوم جديد لبيونسيه، أو جولة فنية جديدة لمادونا، ولا مانع في بعض الأخبار الشخصية عن النجوم، تكون مثل التوابل لمحبي القيل والقال.. مادونا اتكعبلت على السلالم.. توم كروز بقى له سنة ما شافش بنته سورى.. جون ترافولتا اتهبل وبقى مهووس بديانة السينتولوجى.. غلاف جديد لمجلة أسبوعية عليه صورة كيم كاردشيان مش لابسة فيه غير حلق!
نوعية الأخبار اللي فاتت لها مواقع متفرغة اسمها مواقع (Gossips) أو مواقع النميمة، وهي أرخص أنواع الصحافة وأتفهها على الاطلاق، لكن حتى هذه المواقع لها قوانين وشروط، أهمها أنها تحافظ على مصداقيتها حينما تحدد وفي المانشيت أن خبر طلاق نجم أو مشهور إشاعة غير مؤكدة، وتكتفي بكلمة \”صادم\”، قبل نشر خبر انتحار روبن ويليامز، وتتباهي بكلمة \”حصرى\” عن خبر انفردت به قبل أي موقع آخر، وتصدقوا المواقع التانية تنقل عنها بكل احترام مع الإشارة للموقع صاحب الانفراد كمصدر وباللينك كمان!
تعال لمصطلحات المواقع الفنية المصرية، وأشهرها مصطلح \”اشعال مواقع التواصل الاحتماعي\”، هذا المصطلح أصبح \”كود\” لإغراء القارىء للضغط على الرابط وقراءة موضوع مثير مصحوبا غالبا بصورة شبه عارية لممثلة أو راقصة، وأحياناً صورة عادية جداً (عليك واحد ترافيك)، ولا أدري من هو الصحفي صاحب ثقافة إدارة الحماية المدنية والمطافىء الذي خرج علينا بهذا المصطلح الذي يليق بمانشيت قسم الحوادث؟!
يعني الواحد ممكن يستحمل قراءته مرة أو مرتين، لكن قراءته كل يوم على الأقل عشرة مرات، دلالة على فقر شديد في الخيال الصحفى، وتحويل الصحافة الإلكترونية إلى نوع من صحافة الباعة الجائلين، حيث الكل يبيع نفس البضاعة ويقول نفس النداء.. ده حتى زمان، كان الباعة الجائلين عندهم خيال ورغبة في التميز، وكل واحد فيهم بيجتهد عشان يكون له نداء مميز مختلف عن نداء الآخرين، ثم إذا كان الخبر أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالفعل، ما هي الميزة في إعادة تقديمه مرة أخرى لنفس جمهور مواقع التواصل الاجتماعى؟!
أما المصطلح الآخر الذي تفشي بصورة لا تقل عن مصطلح إشعال مواقع التواصل.. مصطلح \”إطلالة\”، وهو خبر يضم صورة أو صور لممثلة أو مطربة بفستان جديد، أو صورة سيلفى، أو صورة وهي زهقانة، أو حتى صورة في حفل زفاف جار ابن خالة شخص مشهور، أي إنها ليست صور من موقع تصوير أو بماكياج شخصية جديدة، هي مجرد إطلالة فراغ لا أكثر.
وصل البؤس أحياناً بهذه المواقع إلى حد نشر صور مشاهير وأنصاف مشاهير مع أصحابهم، بيتسوقوا في السوبر ماركت، ومثل هذه النوعية من الصور موجودة في مواقع النميمة الأجنبية، وسامع حد ورا بيقولي، طب ما هو عادي أهو الأجانب بيعملوها؟ وأحب أقوله إن النجوم الأجانب في زياراتهم الشخصية للأماكن العامة، بيكونوا لابسين لبس عادي مش سموكن في عز الضهر، ولابسين نظارات سوداء وجينز، ومش بيقفوا يتصوروا مع بعض كأنهم في عيد ميلاد، وكل صور النجوم الأجانب بتكون من التقاط الباباراتزي، وهو نوع رزل من المصورين الصحفيين اللي بيراقب النجوم عشان يصورهم في حياتهم الشخصية العادية بدون إذن.
طب وماله نستحمل كل هذا على الهامش.. فين الفن نفسه من كل ده؟! اكون كداب وظالم إذا قلت إن مفيش أخبار عن الأفلام والمسلسلات، لكنك تحتاج مجهودا لتجد خبرا أو تقريرا عليه القيمة يثري القارىء.
أما مصطلح \”انفراد\”، وهو مصطلح عادي ومتداول باستثناء شىء واحد.. أن نفس الخبر ينشر في موقع ويتكرر بنفس التفاصيل والصور في عشرين موقعاً مصحوباً بكلمة انفراد، وهو شىء لا ينفع معه إلا تعليق واحد: حسبي الله ونعم الوكيل!