سأطلب من الله أن يكون شعري مجعدا وبشرتي نحاسية.. سأطلب من الله الكثير من الفساتين القصيرة مكشوفة الكتفين.. كثير من فساتين الصباح البيضاء والوردية، وسأزين شعري بوردة حمراء خلف أذني وأخرج في الصباح لأتسكع على دراجتي حتى التعب، فأركن إلى شجرة وأتناول إحدى تفاحاتها، وربما استحم في نهر من أنهار الجنة.
في المساء، سأطلب من الله أن يعزف شوستاكوفيتش الفالس المفضل لدي، لي أنا وحدي.. سأرتدي ساعتها الفستان الأسود عاري الظهر الذي طالما تمنيت ارتداءه، واستخدم طلاء الشفاه صارخ الحُمرة، ولن أتردد في ارتداء حذاء بـ \”كعب عال\”.
في الجنة.. سأطلب من الله أن أزور إيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا وهاواي والبرازيل وماليزيا وتايلاند والهند وتركيا والمغرب وكينيا وجنوب أفريقيا، وأن أرقص السامبا والتانجو وأسافر كثيرا في رحلات بحرية طويلة.
سيكون لدي الكثير من وقت الفراغ لاقرأ كل ما فاتني قراءته في الحياة الدنيا، وربما أدعو نجيب محفوظ على العشاء ذات ليلة ليحدثني عن ذكرياته مع الحرافيش.. ربما تدفعه موسيقى شتراوس لأن يطلبني للرقص.. لا قِبَل لي برفض دعواه.
فئ الجنة.. ستلتئم الجروح لا محالة، أو يبدلني الله قلبا غير القلب وذاكرة غير الذاكرة.
في الجنة.. سأطلب من الله أن يعلمني عشر لغات، بل سيعلمني أن أتحدث بكل لسان، وسألقي التحيات إلى جيراني من أهل الجنة كلا بلغته.
سيكون لي حديقتي الخاصة، وسأعتني بها بنفسي، وسأطلب من الله عشر أزواج من العصافير الملونة.. سأمنحها كل الحرية لتطير.. انتهى عصر الأقفاص والأقفال.. لا أقفاص في الجنة.. لا أقفاص أبدا.
لكن.. هل ستُفتَح لي أبواب الجنة أم أنها ستُغلق دوني! أنا القشة التي لم تنجح يوما في اختبار الصبر يا الله، أنا ضعيفه وذابلة كورقة شجر في الخريف، تتفتت باللمس يا الله، ولا طاقة لها بما كلفتها يا الله، وأنا التي رأت القشة في خضم صراعها مع الموج، لكنها أيقنت أن قشة بائسة حتما لن تنقذها، فأبت أن تتعلق بها، واستسلمت للموج، تكومت في موضعي كتراب مبتل يا الله، ولم أسعَ في أرضك أو أعمرها.. إنني لم أعبدك يوما كما أمرت يا الله، لكنني لم أعصك في خلقك يا الله.. إن القشة لم تجرح قلب أحد قط يا الله، فالقلب بيتك أنت، فكيف أهدم بيتا يسكنه الله! هل يقبلني الله؟ هل تقبلني يا الله برحمة منك أو بجزيل كرمٍ؟