يستكمل المخرج محمد حماد سلسلة أفلامه التي يشارك بها هموم البنت المصرية البسيطة بفيلمه الطويل الأول \”أخضر يابس\” والحائز على الجائزة الكبرى لمهرجان فاماك للسينما العربية بفرنسا، بعد فيلمين قصيرين \”سنترال\” و\”أحمر باهت\” واللذان كانا يحملان أيضًا نفس خط رصد أزمات نفسية معقدة لفتيات مصريات، والتي فجر أقساها وأهمها حماد بفيلمه \”أخضر يابس\” الذي يعرض حاليًا تجاريًا بسينما زواية ومجموعة من السينمات.
أجواء \”فرهادية\” بامتياز!
يبدأ الفيلم برصد الحياة اليومية لـ \”إيمان\” الشابة المصرية البسيطة، التى تدور فى المطحنة اليومية لحياة فتاة عاملة بمحل حلويات، تسمع يوميًا صوت الترام السريع القريب من منزلها والتى تستقله يوميا ذهابا وإيابًا، وكأنها تسمع صوت فرم أيام عمرها وشبابها تحت قضبانه، الأمر الذي يبرر عدم ابتسامها ولو لمرة واحدة طوال أحداث الفيلم، حتى أختها العروس لم يبتسم وجها طوال الأحداث، وهو نفسه وجه فتيات عابسات نراهم يوميا فى كل مكان فى مصر. الأمر الذي يشبه إلى حد كبير سينما \”أصغر فرهادي\” رائد السينما الإيرانية الحائز على الأوسكار، ليس فقط من خلال العبوس الدائم لبطلة الفيلم، وإنما فى أسلوب عرض صورة الأماكن وإيقاع الأحداث البطئ إلى حد ما. ولكن التناقض مع واقع معظم المصريين المعتادين على الضحك مهما بدت الأيام مأساوية، جعل الأحداث مضحكة لبعض الحضور فى السينما حتى صفعتهم الحقيقة فى الربع الأخير من الفيلم.
الوصف بالألوان والخذلان!
تتوحد الألوان على مدار أحداث الفيلم مع نفسية إيمان فالأحداث تدور فى الشتاء الغالب عليها الرمادية والألوان الترابية حتى فى أغلب ملابس البطلة، بإستثناء مرة تجرب بها فستان خطوبة أختها الوردي وتتأمل لحظة طالما انتظرتها حتى جفت فى ربيع عمرها. أما فصل الخريف يشبه كثيرا المرحلة التى تمر بها إذ تنقطع دورتها الشهرية لسبب غير واضح، الأمر الذي يفعله الخريف دائما فى الأوراق الخضراء فيجعلها يابسة، لم يكتف حماد بذلك الخريف وإنما جاءت نوبات الخذلان المستمرة لتكون الأقدام التى تفرم تلك الورقة اليافعة اليابسة فى كل مرة يخذلها أحد أعمامها الثلاثة ولا يستطيع أن يكون بجانبها هى وأختها العروس ليقابل عريسها المنتظر.
بين النور والعتمة:
وزع حماد الإضاءة بإنصاف بين إيمان وأختها العروس ففى عز نهارهما، الشابتان أحدهما تظلم حياتها وتنتهى فى نظرها وتغلق باب أى أمل، والعروس تضئ غرفتها طوال الوقت ويظهر بها النهار بطبيعته.
السلحفاه المكلومة!
السلحفاه مرآة البطله طوال الأحداث فكلما حاولت أن تنجي نفسها من الإنزلاق والغرق فى الماء تفعلها بصعوبة، وتجلي توحدها مع البطلة عند صدمة البطلة وانقلابها، وانقلبت السلحفاة على ظهرها ولم تعد قادرة على الرجوع الى وضعها الطبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى موتها. الأمر نفسه الذي حدث مع البطلة وقررت أن تكسر العادي والطبيعي اعتراضا منها على مشكلتها الصحية المفاجئة والتى تعاملت مع نفسها بعدها على أنها انتهت! فقط لأنها ملت من الأمر كله.
خان!
فى النهاية يبدو أن حماد يأخذ طريق محمد خان فى مشاركته هموم الفتاة المصرية البسيطة ولكن بطريقته الخاصة ورؤيته الخاصة جدًا كجراح ماهر يشرح الحالة بسلاسة ويتعمق فى تفاصيلها، مبروك للسينما المستقلة المصرية أحد روادها محمد حماد.