إيمان سراج تكتب: الحب في زمن الفيسبوك وتويتر

الحب.. تلك المشاعر التي تفاجئك من حيث لا تعلم ولا تدري.. تلك النبضة التي يكاد أن ينخلع منها قلبك؛ لتسأل نفسك، ما الذي يجري؟! وقبل أن تصل إلى إجابةٍ شافية تجدك محاطًا بمشاعر كثيرة.. سعيد.. طائر.. متسامح.. مقبل على الحياة بما فيها ومن فيها.. \”تحس إنك بقيت إنسان تاني.. إنسان جديد، لسه مولود وبتتعرف على الأشياء بعين وروح تانية.. كل شيء طعمه مختلف\”.

تستمع لأغنية.. تدندن معها، وأول ما يجول بخاطرك، هي صورة محبوبك.. تغمض عينك وتعيش معها، كأنما كُتِبَت من أجلكما.. تشاهد فيلما رومانسيا.. تعيش قصته كأنكما بطلا الحكاية.. تنصت إلى موسيقى، تنتفض من مكانك راقصا على نغماتها فرحا سعيدا.. علاقة هي شكليا بين طرفين، لكنهما في حقيقة الأمر طرف واحد، فأنت هو وهو أنت.. متلاصقان بل ممتزجان.. تتكلمان نفس الكلام.. تنامان وتستيقظان في الوقت نفسه.. تحلمان حلما واحدا، وتعيشان تفاصيل الحياة نفسها.

إنه الحب كما أعرفه وكما يعرفه الصادقون المخلصون له وبه وفيه، أما الحب الذي يعيشه الكثيرون الآن على شبكات التواصل الاجتماعي \”فسيبوك وتويتر\” وغيرها، هو شيء آخر غير هذا.. حالةٌ مصطنعة.. مبتذلة، ربما تكون مشاعر من نوع آخر، ربما مصلحة، أو شهوة عابرة أو رغبة وتسلية، أو حتى فراغ.. سرعان ما يبدأ، وسرعان ما يعاني السقوط والاختفاء.

هكذا يبدأ \”لايكات والفيفوريتس للريتويتس وربما التعليق\”، ومن ثم يلفت الانتباه للفريسة المنتظرة، إنه هنا يتابعها.. ثم تأتي الخطوة الثانية، خطوة الاصطياد أو كما يقال \”الشقط\”.. رساله من كلمتين \”صباح أو مساء أو إعجاب\”، ثم يتحول الرجل لآخر، وفقا لشخصية الفريسة. فإذا كانت تحب الشعر، صار شاعرا، وإن كانت تحب الكرة، صار محترفا عليما بشئون الكرة. وإذا كانت تتحدث في السياسة، صار سياسيا مخضرما أو ثوريا مناضلا؛ رغم أنه قبل دقيقه من حديثهما لم يكن يقترب من الحديث عن السياسة أو يهتم بها,

كل ذلك من أجل إرضاء سيدة الحسن التي قرر رمي شباكه عليها، رغم تأكده أن لا مشاعر حقيقية لديه تجاهها. وإن كانت، فيمكن لجامها لأنها مؤقتة، زائفة ، بدائية، عابرة، متاحةٌ لكثيرات غيرها قبلها وبعدها وربما معها. ففي اليوم الواحد يمكن له أن يعشق ألف جولييت، ويقول ألف كلمة \”أحبك\”، دون غصة أو تأنيب ضمير أو حتى نبضة خوف أو قلق.. وهي ربما لأنها تحتاج كأي امرأة للحب، تصدقه!

ولعلني لا أعفي هنا الأنثى أيضا من مثل ذلك، فهنالك من قررت أن تعشق في اليوم ألف روميو، ومنهن من أعلنت أنها تدخل تجارب الحب من أجل كتابة ديوان جديد. وأخرى تعلم جيدا أنه يتلاعب بها ويحب معها ألف امرأة، لكنها ترضى بالأمر الواقع لأنها تبادله نفس الخداع.

إنها علاقات كل شيء فيها مزيف، كل شيء فيها سريع. تبدأ بـ \”أكسيبت\” أو متابعة، لتنتهي بإلغاء الصداقة والمتابعة وربما البلوك.. أصبحنا نعيش وكأنه مر علينا مئات الأعوام منذ اختراع الإنترنت، حتى إنني عندما استمع إلى أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب، اشعر أنني عجوز كان من المفترض أن تكون في عداد الموتى الآن. فمن غير المعقول أن يكون ما بيننا وبينهم مجرد سنوات معدودة! اشعر وكأننا نعيش في كوكب مختلف، في حياة أخرى غير تلك التي يعيشونها.

جادلني صديق وقال لي: لا شيء جوهري تغير، فقط الوسيلة .. ففي البداية، كانت الخطابات العاطفية رسالة لقاء أو فراق يحملها ساعي البريد، ثم صارت تليفونا أرضيا، ثم موبايل أو بريدا إلكترونيا، إلى أن وصلنا للفيسبوك وتويتر.. أنا معه أن الوسائل اختلفت، لكن مضمون الحب اختلف معها أيضا، ليس فقط مضمونه، وإنما معناه وصدقه وأشياء أخرى كثيرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top