يطل عمرو أديب يوميًا على شاشة قناة أون، منذ سنوات طويلة يشاهد معظم الجمهور ما تنشره المواقع الإلكترونية من كلام أديب. لدى جمهور أديب حاليا الفرصة كاملة لمشاهدة ومناقشة كل ما يطرحه.
عمرو أديب واحد مّمن غيروا خريطة الإعلام المصري، في برامج التوك شو السياسي هو الأكثر مشاهدة، لديه من الحضور والكاريزما ما يجعله يتحدث في \”إنترو\” البرنامج ثمانين دقيقة كاملة، محاور جيد وذكي، يُربك ضيوفه بالأسئلة دون مقاطعة مملة، يجيد الاشتباك مع قضايا الرأي العام، يُحلل أحيانًا ويتوقع دائمًا ويصرخ غالبًا في الحالتين، ربما كان الأجرأ في تناول عدد من القضايا قبل الثورة.. لـ عمرو أديب حضور مختلف على الشاشة، من هذه الزاوية يجب مناقشة ما يعرضه أديب بشيء من الدقة والموضوعية.
قبل الحديث عن مبادرة أديب هناك مُسلمات تحتاج للتذكير بها. أي حديث عن أعراض مشكلة وتّصور حل للأعراض، دون حديث عن السبب الرئيسي للمشكلة، مؤكد أن هذا الحل مسكن لا أكثر. تناول القضايا بسطحية يزيد من تعقيد الأمور.
أستضاف عمرو أديب في حلقته الأولى حسين سالم، وتركه يتحدث عن الظلم ويقول ببجاحة دون خجل إن التسوية ودفعه للأموال، تبرع لمصر! هذا الهُراء دفع منتصر الزيات للتهكم على أديب في حلقته الثانية، فبادر أديب بالسؤال عن دفع متهمي الإخوان الأتعاب في القضايا، فأجاب الزيات: مش كلهم بيدفعوا.. في ناس مش معاها. فبادره أديب ساخرًا: بالراحة أحسن هعيط، فرد الزيات بذكاء: إحنا كمان كنا هنعيط في حلقة حسين سالم. ثم أنفجر الأثنان في نوبة ضحك، توضح ما سيقوله كل منهما للآخر خلف كاميرات البرنامج.
في حلقته الثالثة تطرق أديب لأزمة أرتفاع الأسعار، مطالبًا المجتمع بالوقوف جانب بعضه البعض على حد توصيفه، بحسب طرح أديب يطالب بخفض عدد من السلع الأساسية( ست أو سبع سلع) بنسبة عشرون بالمئة، لمدة ثلاثة أشهر.
السؤال الأهم: حتى لو نجحت المبادرة.. ماذا سيفعل المواطن بعد الثلاثة شهور؟
أديب يطالب محلات كبيرة بعينها بتبني الحملة وخفض أرباحها. طرح على المستوى النظري رائع، لكن -عمليًا- من يذهب لشراء مستلزماته من محلات الهايبر وكارفور؟ بماذا ستعود المُبادرة على سكان الأقاليم ومحافظات الصعيد؟
في أثناء عرضه للمشكلة قال أديب: \”مش طالب من الرئيس حاجة، مش عايز من الحكومة حاجة خالص. إلا لو حد عايز يساعد\”!
هذا الطرح المعيب، والمنطق المعكوس يؤدي للمزيد من التخبط.. كيف يمكن تناول أزمة الأسعار دون التطرق للسيسي ولحكومته، التي طالب كثيرون بتغييرها، فرد السيسي في تدشين رؤية مصر 2030: \”أنتوا مين؟ الحكومة دي أنا بقعد معاهم كل يوم ثمان ساعات\”
المسؤولية السياسية تقع على السيسي، وحكومته التي اختارها دون ضغط شعبي أو برلماني، وتمسك بها ورفض مطالبات منطقية لتغيير عدد من الوزراء وتغيير السياسات التي أدت إلى مزيد من التدهور.. كيف يتسق عرض أزمة الأسعار دون هذا التسلسل الموضوعي والمنطقي؟
\”إوعوا تتصورا إني غايب عني ارتفاع الأسعار.. أنا واحد منكم وعارف كويس اللي ظروفه صعبة بيعيش إزاي.. إن شاء الله آخر الشهر ده تكون الدولة تدخلت لتقليل الأسعار بشكل مناسب\”
السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
في مناورة للقوات البحرية بمارس/آذار من العام الحالي تحدث السيسي عن تكليف لمنافذ القوات المسلحة بزيادة المعروض من السلع في الأسواق للحفاظ على توفر السلع وضمان ثبات الأسعار.
\”لن تحدث زيادة في أسعار السلع، مهما حدث لسعر الدولار.. ده وعد إن شاء الله\”
السيسي متحدثًا في كلمة لعدد من ممثلي الشعب، وصفتها وسائل الإعلام بالحوار، على الرغم من حديث السيسي بمفرده ورفضه تعليق أحد على حديثه قبل قطع البث التلفزيوني، أبريل/نيسان الماضي.
على مدار خمسة شهور متتالية، تلقى الشعب المصري ثلاثة وعود رئاسية.. مرة بتقليل الأسعار، ومرة بضمان ثبات الأسعار، ومرة بعدم حدوث ارتفاع مهما حدث لسعر الدولار.. على مدار الخمسة شهور، المرتبات تُخطف من المواطنين والوعود تُخلف.
المرتبات الهزيلة وتدني دخل الفرد المصري، لم ينساها السيسي في تعليقاته على الأسعار، لكنه كالعادة تناولها بشكل مختلف، لم يرها ضعيفة، ولم يقارنها بمستوى الدخل في دول أخرى، لكنه حمّلها جزءا من ارتفاع الأسعار!
في افتتاح مشروع غيط العنب في سبتمبر/أيلول الماضي تحدث السيسي عن أربعة أسباب لارتفاع الأسعار، أولها ارتفاع المرتبات والمعاشات –من وجهة نظر السيسي- وعدم وجود آلية حقيقة لضبط الأسعار في الأسواق، وزيادة سعر الدولار، وجشع التجار.
للمفارقة.. التجار الذين يطالبهم عمرو أديب بالوقوف جانب الشعب المصري، هم أنفسهم من يتهمهم السيسي بالجشع!
لا جشع التجار ولا زيادة المرتبات لهم دور في زيادة الأسعار.
هل حدث جشع مفاجىء لكل تجار مصر؟
هل زادت المُرتبات زيادة تاريخية -أتحدث هنا عن مرتبات العاملين في القطاع المدني، لا عن بدلات القضاة ومرتبات الشرطة ومعاشات الجيش- تُحدث كل هذا الفارق في الأسعار، وهذا القدر من التضخم؟
لكن ما تحدث عنه السيسي بحق هو زيادة سعر الدولار، خاصة أن مصر دولة مستوردة لعدد كبير جدا من السلع، ومع زيادة الدولار تزيد قيمة المنتجات المستوردة بطبيعة الحال. الأمر بديهي جدا، ولا أعرف كيف وعد السيسي بالحفاظ على الأسعار في حالة زيادة الدولار؟! إضافة إلى فرض قانون القيمة المُضافة وزيادة الجمارك على عدد كبير من السلع.
في تحميل ارتفاع الدولار جزء كبير من الأزمة حقيقة كبيرة وإقرار بالواقع، لكن من يضع السياسة النقدية؟ من يتحمل تدهور الأحتياطي النقدي؟ من المسؤول عن ارتفاع الدين الخارجي في عامين من عام 2014 إلى 2016 من 1.4 تريليون إلى 2.4 تريليون دولار؟
هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها في مكاشفة حقيقية، ربما تقود إلى حلول تخفف من الأزمة، وأي محاولة للتحايل على الأزمة وطرح فرضيات خاطئة، ستقود إلى حلول مشوهة ومسكنات لن تُساهم في أي حل مستقبلا.
لدينا محافظ للبنك المركزي تحدث عن وصول سعر الدولار لأربعة جنيهات في مارس/آذار الماضي، الرجل لا يزال مُحتفظًا بمنصبه! فهل لا يُشارك محافظ البنك في وضع السياسة النقدية؟!
إذا كانت الإجابة بـ نعم، فلماذا يبقى بعد كل هذا الفشل؟ وإذا كانت الإجابة بـ لا، فمحاولة معرفة من يضع السياسات ضرورة، وتوسيع قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي من خبراء متخصصين ضرورة أكبر.
مع التأخر في معالجة أزمات سابقة كحادث الطارئرة الروسية، وحادث جوليو ريجيني، وتأثيرها على تدفق العملة الصعبة من قطاع السياحة، والتوسع في سياسة الاقتراض مرة لشراء طائرات الرافال، ومرة لتدشين اتفاق مع الجانب الروسي لإنشاء محطة طاقة نووية، مع قرض صندوق النقد الدولي، إضافة لمشروع قناة السويس الذي لم يأت بأي ثمار تذكر رغم التكلفة الهائلة للمشروع، بجانب التوسع في تقدير نتائج المؤتمر الاقتصادي.. كل هذا يؤكد ضرورة المُعالجة بشفافية أكبر وترتيب مختلف تمامًا للأولويات.
عدم الشفافية والتأخر في اتخاذ القرار، والتخبط في تنفيذه بعد اتخاذه، سيخلق حالة من عدم الاستقرار، ستتم معها زيادة سعر الدولار في السوق السوداء؛ لعدم قدرة البنك على توفيره، ومعها ستزيد الأسعار على المدى القريب والبعيد، دون قدرة لمبادرات فردية على حلها.
الحل الوحيد والأمثل يتلخص في خطة اقتصادية واضحة ومنطقية، ومُعلنة، دون تسويف للمسؤوليات أو تهوين من أزمة الأسعار على كل الفئات والطبقات الاجتماعية.