\”سنتين كمان وهتستغربوا مصر بقت كده إزاي، هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي\”
السيسي متحدثا أمام الجالية المصرية في برلين، يونيو/حزيران العام الماضي.
قبل مرور العامين، علت الدهشة الوجوه في مصر، ارتفع سعر الدولار، تضاعفت أسعار السلع الأساسية، أصبحت فواتير الغاز والكهرباء والمياه عبئاً على الجميع.. كل هذا حدث قبل مرور عام واحد!
أنهارت أسعار البترول العالمية، انخفضت لمستوى لم تصل له منذ أثنى عشر عاما، لكن مصر على موعد دائم مع تبرير الفشل، برر وزير البترول عدم استفادة مصر من انخفاض الأسعار، واستمرار الزيادة المُعلن عنها سابقا في زيادة أسعار البنزين إلى أرتفاع أسعار الدولار!
الدولار استعصى على كل محاولات السيطرة على الزيادة الجنونية في سعره، في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، كان سعر الدولار (7.35) تقريبا، تخطى سعر الدولار تقريبا حاجز الإحدى عشر جنيها في السوق الموازي، انتشرت أخبار عن تورط حسن مالك في زيادة سعر الدولار، قُبض على حسن مالك واستمرت زيادة الدولار، أتخذت الحكومة قرارا بخفض قيمة الجنية المصري (112 قرشا)، واستمرت زيادة سعر الدولار، اغلقت مباحث الأموال عددا من شركات الصرافة، واستمرت زيادة سعر الدولار.
الحكومة فشلت في السيطرة على سعر الدولار، الفشل يعني زيادة تاريخية في أسعار السلع، وموجة من التضخم لن يمكن السيطرة عليها، علت الأصوات بتغيير الحكومة، لكن رد السيسي جاء قاطعا في تدشين رؤية مصر لعام 2030، قائلا للأصوات المطالبة بتغيير الحكومة: \”أنتوا مين؟! إوعو حد يزعل مني، أنتوا هتعرفوا الحكومة دي كويسة ولا لأ؟! أنا بقعد معاهم كل يوم، انا مبادافعش عن حد، بس هو بياخد آه عشان يستحملك\”.
بعد كلمة السيسي، تراجعت الأصوات المطالبة -عن حق- بتغيير الحكومة، لوضع خطة اقتصادية سريعة، ومحاولة تقليل الخسائر.. استمرت الحكومة، واستمر ارتفاع الدولار.
بالتزامن صدر قرار جمهوري بزيادة الجمارك على عدد من السلع، بقيمة 40%، بدأ تطبيق الزيادة من فبراير/شباط من العام الحالي.
يكفي لمحاولة لمس آثار ارتفاع سعر الدولار، استخدام محرك البحث الشهير جوجل، وكتابة \”ارتفاع أسعار\” فقط، القائمة تطول من ارتفاع السلع الغذائية الأساسية، لارتفاع أسعار السلع المُعمرة من أجهزة كهربائية، دون مؤشر واحد على وقف زيادة الأسعار، أو حتى تثبيتها.
بحسب توقعات منطقية، الطلب على السلع سيزيد في شهر رمضان، وبتطبيق قانون العرض والطلب، وبدون وجود أي آلية للسيطرة على الأسواق.. ستزيد الأسعار!
وزارة التموين بقيادة الوزير خالد حنفي، قررت دعم المواطن وسط موجة الغلاء الطاحنة، بزيادة حصة الفرد بالبطاقة التموينية، من خمسة عشر جنيها إلى ثمانية عشر جنيها.. ثلاث جنيهات شهرياً! وجدت الحكومة التي يجلس معها السيسي يوميا ويعرفها جيداً، في عشر قروش يومياً نجاة بالمواطن من شبح الغلاء!
البرلمان كان له دور سلبي في إدارة الأزمة، وصل الأمر برئيس البرلمان إلى منع الأعضاء من مناقشة السياسات النقدية، وتهديد من يناقش الأمر من النواب بإحالته للجنة القيم بالمجلس.. إذا لم يناقش المجلس السياسات النقدية، فهل سيهتم بتشكيل المنتخب لمباراة تنزانيا مثلا؟!
اكتفت لجنة الخطة والموازنة بمناقشة قانون لفرض ضريبة على راديو السيارات سنويا.. لم يخطر على بال أعضاء اللجنة أن أجهزة الهاتف المحمول بها راديو أيضا، فهل ستفرض عليها ضريبة؟! إذا كانت الإجابة بلا، فهل يمكن أن يستغني قائد المركبة عن راديو السيارة ويسمع راديو الموبيل مؤقتا حتى يتجنب دفع الضريبة؟ مناقشة الأمر أصلا عبث!
أموال الوادائع ومنح الدول الخليجية، وصلت بحسب إحصائية بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، لحوالي 33 مليار دولار، لم يخرج بيان واحد رسمي يوضح الأرقام الحقيقة للمنح، وأرقام الودائع التي سَترد، والأرقام التي تدخل تحت بند الاستثمار وإقامة مشاريع.. الشفافية في إدارة الأموال ضرورة.
التخبط والعشوائية في إدارة ملف الاقتصاد اكتمل؛ بتوقيع اتفاقية للحصول على قرض من روسيا لتمويل محطة طاقة نووية، روسيا تدفع 25 مليار دولار على 13عامًا، وتسددها مصر بفائدة 3% على 22 عامًا، القرار نُشر بالجريدة الرسمية، والنشر يعني ضمناً سريان الاتفاقية. غير أن تفصيلة منشورة ضمن بنود الاتفاقية تثير الدهشة، ونصها: \”يجوز لمصر طلب إلغاء المبالغ غير المستخدمة قبل عام من نهاية مدة الاستخدام\”، هل لا يوجد دراسة جدوى توضح بدقة الأرقام التي يحتاجها المشروع في كل مرحلة لإتمامه؟
القرض يمثل تقريبا نصف ديون مصر الخارجية، لم تُناقش الاتفاقية وتأثيرها الكارثي على الاقتصاد، لم يسأل أحد عن ضرورة إنشاء محطة الطاقة النووية بهذه التكلفة الباهظة مع تحمل فوائد القرض وخطورتة على الاقتصاد بشكل عام.. إنشاء محطة طاقة نووية في حد ذاته مثار تساؤل، خاصة مع تزايد خطر دفن النفايات النووية، وتكلفة الوقود النووي بالمقارنة بمصادر الطاقة الأخرى.
التأثير الكبير في التطورات السياسية لا يمكن فصله عن ملف الاقتصاد، نقص الوارد من الدولار عقب ضعف حركة السياحة؛ بسبب حادث طائرة روسيا وحادث مقتل السياح المكسيكيين، انخفاض إيرادات قناة السويس رغم افتتاح التفريعة الجديدة في أغسطس/ آب العام الماضي.
كيف يمكن الاطمئنان لإدارة ملف الاقتصاد وسط هذا الارتباك؟ كيف يمكن الحديث عن تنمية حقيقية، بينما عملة مصر تنهار حرفياً، وسط غياب رؤى لحل الأزمة الاقتصادية؟ كيف يمكن ترتيب الأولويات لتنظيم أوجه الصرف، فيتم دراسة المشاريع قبل البدء في تنفيذها، فنعرف الأرقام والتكلفة الحقيقة لحفر تفريعة جديدة، أو بناء محطة طاقة نووية، أو شراء صفقة طائرات، أو توجيه الأموال لبناء مستشفيات، أو ترميم البنية التحتية، أو بناء مدارس جديدة؟ أولويات الإنفاق والمناقشة حولها غائبة.
تسير سفينة الوطن، وتنتظر بشغف الإجابة على سؤال: كيف ستصبح مصر بعد عامين؟ لكن المؤكد أن مؤشرات العام الأول تُقلق بشدة.