\”أنا مش جاي أقلب المواجع .. السنتين دول معلمين في جسمنا.. افتكروا 3-7 و24-7 و8-8 و14-8.. عايزين تعيشوا معانا في أمان وسلام أهلا وسهلاً، لكن هتفرض رأيك وإرادتك علينا لأ مش هيكون\”
كان الحديث للسيسي في حفل أفطار الأسرة المصرية، لكن عن أي مواجع يتحدث؟، ماذا حدث في هذه التواريخ.. تؤرق السيسي ليشير إليها صراحة مرة وملمحا مرات أخرى بضم الألف أو فتحها إذا شئت.
الرابع عشر من أغسطس ذكرى ستظل عالقة بأذهان المصريين، ستبقى شاهدا على صم أذانه من مؤيدي مرسي عن خطاب المنصة التحريضي والكارثي، ومن غض بصره من مؤيدي الطرف الآخر عن دماء أبرياء سقطوا بين طرفين طامعين في سلطة زائلة، طرف فشل في إدارة بلد قامت فيه ثورة بدأت بمظاهرات ضد الشرطه؛ فذهب الرئيس المؤمن الحافظ لكتاب الله ليبلغ الشرطة أنهم كانوا جزء من عبور الثورة. وطرف ثان ظهر في البداية كجزء من حل الأزمة، ثم تعقدت الأمور بعد تطور الأحداث وأصبح جزء من الوصول لطريق مسدود.
قبل عامين وصل الخلاف السياسي قمته، نزل متظاهرون مطالبين برحيل مرسي عن الحكم، إلى هنا تبدو الأمور أشبه بثورة يناير، مظاهرات تجبر الرئيس على الرحيل، لكن مرسي تمسك بالسلطة، ومعه مؤيدون يرون فيه الرئيس الصالح، ويرى هو أنه لم يخطىء ويتمسك بالشرعية، ومعه مؤيدون يرون جبريل يصلي معهم في رابعة، ويعتقدون أن من لم يؤيد مرسي كافر، ويطالبون برفع علم القاعدة في شوارع مصر، ويهددون بسيارت ملغمة إذا لم يعود مرسي للقصر!
على الجانب الآخر كان التجهيز لإخلاء الميدان وشيكا، طلب السيسي تفويضا لإنهاء الإرهاب المحتمل من وجهة نظره آنذاك، تسارعت الأحداث على نحو ينذر بوقوع كارثة ستدخل الوطن في مستقبل مظلم وربما عشرية سوداء أسوة بما حدث في الجزائر بداية التسعينيات.
طلب وزير الداخلية محمد إبراهيم تفويضا من النيابة العامة لفض الاعتصام، وهو ما وافق عليه المستشار الراحل هشام بركات. لم يسمع لدعوات حاولت رأب الصدع ووقف نزيف الدم. أبرزها كانت محاولة الدكتور محمد البردعي وكتب في استقالته التاريخية من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية \”كما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي، وكانت هناك حلولا مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني، لكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية، لكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن – في رأيي – تجنبه.\”.. أحد لم يحاول تنفيذ البدائل السلمية، لم يسع شخص ما داخل السلطة بعد 14/8 /2013 إلى وقف نزيف الدم، كان البرادعي آخر الرجال المحترمين.
أفردت وسائل الإعلام مساحات كبيرة لعرض مقاطع سابقة لأجزاء من خطاب المنصة الكارثي وأهملت قتل ما يزيد عن ألف شخص بحسب أبسط التقديرات، الكل حاول استغلال خطاب المنصة كغطاء سياسي لتبرير ما حدث.
\”قيام قوات الجيش والشرطة، على نحو عمدي وممنھج، باستخدام القوة المميتة والمفرطة في عمليات حفظ الأمن، مما أدى إلى مقتل متظاھرين على نطاق لم يسبق له مثيل في مصر\”
الجملة السابقة في افتتاحية تقرير منظمة هيومان رايتس وتش، ويؤكد كل شهود العيان أستخدام الذخيرة الحية في فض الاعتصام، حتى تصريح وزير الداخلية نفسه أكد في مؤتمر صحفي يوم فض الاعتصام وجود 15 بندقية آلية، وبالتالي فقوات الشرطة والجيش استخدمت القوة المفرطة ــ دون مبرر ـــ مما أدى لارتفاع عدد القتلى من المعتصمين.
استخدام متعمد للقوة المميتة أدى إلى واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاھرين في العالم في يوم واحد في التاريخ الحديث، هكذا يصف التقرير المذبحة.
عملية التنصيف المقيته للمتوفين أسوأ ما حدث بعد فض الاعتصام، حاول كثير من الشخصيات العامة تفادي الحديث عن عدد المتوفين، وعدم الحديث عن توابع فض الأعتصام كسيارة الترحيلات، أو القبض على صحفيين مازال عدد منهم رهن الاحتجاز حتى الآن، منهم المصور الصحفي \”شوكان\” الذي أكمل عامه الثاني رهن الأعتقال دون محاكمة، وجل الجريمة تصوير وقائع فض الاعتصام!
شهود العيان كشفوا عن عدم وجود فرصة لخروج المعتصمين بعد فتح قوات الشرطة والجيش النار على المعتصمين، ورفضت القوات بعد ذلك خروج الجرحى من الميدان ومنعت دخول سيارت الأسعاف مما أدى لارتفاع عدد القتلى.
أكد الأطباء المتواجدون بالمستشفى أنه بحلول الخامسة والنصف سيطرت قوات الشرطه على الميدان تماما، وطلبت من الأطباء مغادرة المستشفى الميداني رغم وجود مصابين أحياء بالإضافه لعدد من الجثث، أندلع حريق بالمنصة المقامة في مركز الاعتصام، والمستشفى الميداني، والمسجد، وبالطابق الأول من مستشفى رابعة، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أحرقت قوات الأمن المستشفى الميداني رغم تأكيدات الأطباء بوجود مصابين أحياء.
إذا كانت القوات لم تشعل النار، لماذا لم تحاول سيارت الإطفاء ــ رغم تواجدها على بعد أمتارــ التعامل مع الحريق؟
الأسئلة التي تطرح نفسها حول تكلفة فض الاعتصام ونتائجها الكارثية ربما تظل محاولة الإجابة عنها قائمة، لكن المؤكد أنه قرار خاطىء. وستبقى أجيال تدفع ثمن المزايدة والتبرير وعدم الاعتراف بالخطأ.
لكن ستبقى كلمة الطرف الذي لا يبرر القتل أيا كان المقتول مختلف معه سياسيا أو رفيق كفاح، ستبقى كلمة الحق التي تدين القاتل أيا كان ملتحي متستر خلف فهم كاذب للدين الحنيف، أو مرتدي بذلة عسكرية يتصور كثير ممن يرتديها أنها ربما تحميه من حساب الدنيا، لكن حساب الآخرة للظالمين عسير.