كبرت يا ابني العزيز، هذه الأيام يكون قد مر ستة شهور وأيام معدودة على نورك في دنيانا.. نعم لقد نورتها.. من قال إن الأطفال أحباب الله فقط لم يخطيء، بل اختار أصوب وأدق تعبير.. نعم أحباب الله ومن يحبه الله يمده من نوره، يجعل وجهه بشوشا وسريرته نقية ورائحته عطرة طوال الوقت.
نعم يا يونس أنت عطية الله النقية الزاهية المغلفة بنور وبشاشة لم نكن نتوقعها، كم انتظرناك يا يونس وسهرنا الليالي.. ليس تعبا أو كدا، فلا اخفيك سرا أن أمك هي من كانت ولا تزال تتحمل همك وتعبك وجميع شؤونك.. هي من تهرع وراء أنينك أو بكائك او استيقاظك مفزوعا من النوم كما كل الأطفال، وهي من يتربص بكل نظرة أو ضحكة لتشاركك فيها وتفرح معك وتشجعك وتطير بك فرحا.. أما أنا فقد انتظرتك في معية أمك ارقب خبطاتك وتحركاتك داخل بطنها.. شعور غريب ذلك الذي شعرت به عندما أكدت لي أمك أنك تتحرك أينما اكون أنا جالس بجانبها.. إنك تغير من وضعك لتكون في الجهة التي اجلس فيها.. أنا مع أمك أو اضع يدي على بطنها، قد تتفاجأ عندما تعلم أنني كنت امثل أني سعيد وابتسم.. لكن في الحقيقة مع كل مرة – كنت اشعر بالمسئولية.. كيف سأربيك لتصبح أفضل مني وليس بالضرورة أفضل من أقرانك، فإني اتمنى أن يصبح الجيل القادم بالكامل أفضل وأنبه وأكثر وعيا، لتصطفوا جنبا إلى جنب وتبنون وطنا جميلا تعيشون فيه، أجمل من ذلك الوطن الذي تربينا فيه على أن نصبح أفضل من بعضنا، ففشلنا جميعا.
لا أخفيك سرا أني لم اكن على نفس القدر من الاهتمام بمستلزماتك وهمك اليومي، لأني لست كأمك منحني الله من القوة والتقدير كي اتعامل مع أحبابه الصغار، فأنت وأمك قطعة من السماء.. أنت من أحبابه وأمك تحت أقدامها جنته.. لكني يوما بعد يوم اصبحت اتعلق بك أكثر وأكثر، اصبحت اتوحشك وقتما تغيب عني، اتركك وكأني تركت قطعة من جسدي، لكني لم اترك أي قطعة.. اترك القطعة التي تحوي البراءة، الطيبة، الصدق، الحب، الأمل، التفاؤل، الطموح والشقاوة في نفس الوقت.. لامضي في الحياة بدون أجمل ما فيّ.
عزيزي يونس:
شهران يفصلونا عن العملية الجراحية الدقيقة التي اجمع الجراحون على ضرورة إجرائها لك، فقد اختارك الله ليبتليك وأنت في صغرك بعيب خلقي يستلزم التدخل الجراحي في عامك الأول.
لم اشعر يوما بذلك الشعور، الطفل الصغير الذي ابتلاه الله بمرض أو عيب يستلزم التدخل الجراحي في هذا السن، كنت دائما ارى الأطفال المرضى الذين يظهرون في الإعلانات، لكني يوما لم اشعر بهم قدر محنتهم، أما الآن فالشعور غريب، اشعر أنك اصبحت وغيرك من هؤلاء الأطفال رجالا قبل أن تبلغوا، نعم رجال تخوضون معارك مع أمراض وعيوب ابتلاكم بها الله، فتنتصرون وستنتصرون بإذن الله.. معارك ربما لا استطيع أن اخوضها أنا شخصيا وأنا رجل بالغ ومسئول.
اشعر بالنقص امامكم كيف اتألم بعد اليوم من مرض أو ألم أو ابتلاء، وأنت أمامي طفل صغير، وفي نفس الوقت رجل كبير يتحمل المسئولية، وسيواجه عملية جراحية وأنت بشوش جميل تداعب الجراحين عند الكشف عليك، فيبتسمون ويبتهجون، وتداعب أطباء معمل التحاليل على الرغم من المعاناة والألم وتشويه جسمك بخمس محاولات فاشلة لسحب عينة دم من جسمك الضئيل الهش.. محاولات لا اتحملها أنا ولا يتحملها بشر، ثم تعود بعدها بدقائق لتضحك وتبتسم.. أي ملاك أنت، أي إرادة تلك وأي نور وجمال ذلك الذي رزقك الله به!
عزيزي يونس:
ستجري لك العملية وستشفى وستضحك لنا كعادتك عندما تفوق من البنج بإذن الله، سنحتضنك.. تعلم لماذا؟ لأننا نحتاج حضنك، نعم نحن الذين نحتاج حضنك ولست أنت، نحن الذين لا نستطيع العيش من دونك ولست أنت، نحن الذين نستمد القوة منك ولست أنت، نحن الذين نتعلق برضا الله ورضاك ولست أنت، نحن الذين نريدك أن تكون سندا لنا في الحياة ولست أنت.. انت الإرادة والأمل والطاقة التي ولدت فينا يوم عيد زواجنا –يوم ميلادك- أنت مشروعنا الذي استثمرنا فيه أغلى ما نملك.. استثمرنا فيك الأمل والطموح والحب.
نعم جئت بالحب والأمل والطموح، احببت أمك وعلقنا آمالنا وطموحاتنا على بيت وعلاقة، فجئت أنت لتصبح قوامها.. أنت الثمرة التي نضجت سريعا ومبكرا لحسن حظنا لتملا حياتنا وتجدد نشاطنا وعلاقتنا وتجعلنا نكتشف الكثير عن هذه الحياة، لم نكن لنكتشفه بدونك.
ابني وحبيبي يونس:
القبلة على قدمك أجمل وأفضل وأكثر شغفا من كل الملذات والشهوات وصراعات الحياة التي ينغمس فيها البشر كل يوم.
يونس:
الدنيا دي عايزاك وعايزة ضحكتك وعايزة طاقتك الإيجابية ونورك وشقاوتك.. ربنا معك يقومك بالسلامة ويحرسك ويحفظك ويخليك لينا وللناس.