في يوم عادي وممل، قاعدة في أمان الله، اقتحم وحدتي صوت قريبي اللي كان عندنا زيارة في البيت قائلا: الناس اللي مبهدلة الدنيا على الفيسبوك.
وبصراحة استغربت، لأنه ماعندوش أكونت أصلا!
بس طبيعي جدا يكون حد من ولاده قرأ لي حاجة وراح حكى له.. رديت ببرود: هو مين اللي عندي؟
– مش مهم بقى.. أهو الكلام وصلني وخلاص.
قولت: بس.. هتدبس في مناقشة سياسية طويلة عريضة كلها كلام حفظته من كتر ما اتعاد في ودني، وقررت التزم الصمت مهما حاول يستفزني، عشان ارد واكتفي بإبتسامات صفراء.
– إعلاميين المستقبل اللي مابيسكتوش.
هنا بالتحديد الحقيقة مقدرتش احدد الجملة دي مدح ولا ذم! حاجه كويسة ولا وحشه!
– طيب اشتغلوا وانتجوا وبعدين قولوا رأيكوا.
– \”صمت\”
– إنتِ أصلك عايزة تبهدلينا وراكي هنا وهناك, قررتي هتدخلي معتقل إيه؟
ممكن نعتبرها على وزن \”كلية إيه؟\” باعتبار إن جيلي تقريبا أغلبه دخل السجن ومبقاش حاجة غريبة عننا، وبرضه ماقدرتش احدد هي حاجة حلوة ولا وحشة!
إننا كسرنا حاجز خوف استخدمته السلطة في مصر لإرهاب الناس أكتر من خمسين سنة.
بيكمل: ده الولاد عندنا مابيتكلموش في السياسة.. البنات هتتكلم؟!
الجملة دي بالذات مش بس كبت حرية.. لأ كمان ذكورية.. يعني إيه حضرتك البنات ماتتكلمش في السياسة؟ أنا سمعت كتير وقليل عن التفرقة بين الجنسين، لكن أول مرة اشوف حد بيعتبر حرية الرأي السياسية هي كمان حكر على الذكور فقط!
مش كفاية بتحرموا البنات من الإستقلال والحرية الشخصية، وأحيانا التعليم، لأ.. كمان متابعة الأحداث والتعليق على اللي بيحصل في البلد مش من حقهم؟! بس برضه وكتاب الله ماهاتناقش.
– أنتوا أصلكوا مش فاهمين إنكوا ملعوب في دماغكوا.
بعد آخر جملة دي بالأخص، كان قدامي اختيارين، يإما ارد، وكفاية حرقة دم لحد كده، وساعتها هكون نفذت اللي كان عايزه من البداية، أو انسحب تماما من المكان، وده اللي عملته.
الفكرة إن دي مش عقلية شخص واحد، لأ دي عقلية جيل كامل عايش معانا، وبيتحكم في قراراتنا، مستخدما سلطة \”السن\”، على اعتبار إن فرق العمر يديله الحق في اختيار مصيرك، ونمط حياتك, وكمان يتدخل في طريقة تفكيرك، ويفرض عليك تكون تابعا له في كل شئ!
الجيل اللي عاش 30 سنة في حكم مبارك، كان بيخاف يقول رأيه السياسي في الشارع, كان بيخاف يشتم مبارك واللي معاه، لاحسن حد يبلغ عنه ويتاخد أمن دولة!
الجيل اللي عرف يعني إيه حرية لأول مرة بعد 25 يناير.. لِسّه عايزنا نكرر غلطه وبؤسه، ونخاف زيه، ونمشي جنب الحيطة لحد ما تتهد فوق نافوخنا.
يعني بعد ما عملنا ثورتين، عايزينا نعيش زي ما كنتوا عايشين؟! عايزينا نسكت لحد ما نموت من الحسرة؟!
الغريب برضه إنهم معترفين إن مفيش حرية رأي! ومعترفين بالقمع والذل اللي موجود، بس مش قادرين يقولوا لأ!
فاكرين إيه بعد ما عرفنا إن لينا حق عندهم، وبعد اللي ماتوا وهما بيقاوموا، واللي اترموا في السجون، واللي هتفوا بأعلى صوتهم في الميدان \”الشعب يريد اسقاط النظام\”.. سهل علينا نرجع نسكت تاني؟!
وبعدين هو مين فينا اللي ملعوب في دماغه بالظبط؟! مستخدم السوشيال ميديا اللي العالم كله بين إيديه، ولا مشاهد قنوات الإعلام الموّجه، وأصحاب المواد الإعلامية المضروبة؟!
ومن المؤسف إن في شباب في جيلنا هما كمان بيفكروا بالعقلية دي! هما كمان مستسلمين للواقع اللي عايشين فيه ومش عايزين يغيروه.. لا مش فكرة مش قادرين، هما مش عايزين يحاولوا أصلا.. شايفين إن اللي بيحصل هو الصح، وإن الحرية مفيش وراها غير فوضى، وإن السلطة لازم تمشينا بالكرباج، وإن الحاكم لازم يكون عسكريا.
ليه طيب؟! هو إحنا اقل من باقي البشر على الكوكب ده؟ إشمعنى إحنا بس اللي لازم نتضرب ونتهان عشان نمشي كويس، يإما نكون في فوضى؟!
المشهد في 25 أبريل اللي فات لمّا الست العجوزة حطت البيادة فوق راسها وهي مبتسمة أوي وبتصقف كمان.. بعد كده مش هيكون مجموعة مأجورين بدلوا كرامتهم بالفلوس.. لأ، ده هيبقى الشعب كله شايل الجزمة على دماغه بكامل إرادته وهو فرحان، أصل لقمة العيش عنده بقت أهم من الكرامة.
ملعونة قامة تنحني بالقهر من حاكم وخان
ملعونة كلمة تنتني في الحلق تهرب م اللسان
ملعونة ساعة تنحسب م العمر يفنيها الخضوع
ملعونة لقمة متغمسة بالذل.. ملعون الجبان
أحمد فؤاد نجم