اليأس خيانة, الضعف خيانة, والصمت أيضا خيانة حينما يكون عن الحق.
في 30 مارس الماضي، نشر \”مالك عدلي\” المحامي الحقوقي على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك أن \”معوض عادل\” مصاب أحداث محمد محمود والملقب بالشهيد الحي، أفاق من غيبوبته التي استمرت لخمس سنوات منذ نوفمبر 2011.
وباسترجاعي للأحداث منذ 2011 أي بعد ثورة يناير حتى مارس 2016، اكتشفت أنه منذ خمس سنوات لم تتحقق من مطالب الثورة سوى مطلبها السطحي فقط بإقالة مبارك وحاشيته، أما المطالب الجوهرية والحقيقية \”عيش, حرية, عدالة اجتماعية, كرامة إنسانية \”لم يتحقق منها شيء، بل بالعكس ازداد الوضع سوءا وانتكاسا. كيف يمكن لشاب بمقتبل حياتة فقد وعيه وإحساسه بالحياة بعد نجاح ثورة وقفت شعوب العالم كلها احتراما لها ولشبابها، أن يعي المصائب التي حلت بنا بعدها.. مرورا بأحداث المجلس العسكرى, حكم الإخوان, 30 يونيو, مرحلة عدلي منصور, حتى تولى عبد الفتاح السيسي الحكم؟
والمضحك في الأمر أن من مطالب يناير أيضا ألا يتولى الحكم رجل عسكرى مرة أخرى!
وذلك تقريبا أمر هيّن مقارنة بما أعقبه من أحداث.. يكفي آخر شهرين فقط مرا على مصر، ليصفا إلى أي مدى وصلنا من الإنحدار! بداية من انتهاكات أمناء الشرطة لحقوق الأطباء، ثم حادثة سائق الدرب الأحمر ومصرعه على يد أحد أمناء الشرطة بعد مشادة كلامية بينهما، وصلت بالأخير أن يخرج سلاحه ويرديه قتيلا. ومع ذلك وفاة سائق الدرب الأحمر لم تحدث الضجة التي أثارتها فضيحة مقتل \”جوليو ريجيني\” الطالب الإيطالي بمصر، ربما لأن على أثرها وصل توتر العلاقات بين إيطاليا ومصر على أشده، لإصرار الأخيرة على أن ريجيني لم يقتل على أيدي أفراد الأمن.. رغم عدم مقدرة المسئولين على تقديم بيانات تثبت عكس ذلك.
وبرغم تنديد منظمات حقوق الإنسان في العالم بالانتهاكات التى تحدث في مصر من قبل رجال الشرطة، مازال مؤيدي النظام من المصريين نفسهم ينكرون ذلك، بل وصلت درجات التبرير لاتهام إيطاليا نفسها بتكبير الواقعة \”إيه يعنى واحد مات.. الدنيا اتهدت؟\”
حتى انقطعت العلاقة بين البلدين، واستدعت إيطاليا سفيرها من مصر بشكل نهائي، كما أصدر البرلمان الأوروبي بيانا يوصي دول الاتحاد الأوروبي بحظر المساعدات لمصر بسبب تعتيم المسئولين عن حقيقة حادثة قتل الطالب الإيطالي ما يشكل كارثة على علاقات مصر الخارجية.
تلك حقيقة احترام الإنسانية في ظل النظام الحالى، لكن ماذا عن احترام الأرض نفسها!
من خلال اتفاقية عقدها الرئيس مع السعودية، نقلت على أثرها السيادة على جزيرتي صنافير وتيران إلى السعودية، مقابل حصول مصر على 25% من الموارد الطبيعية للجزيرتين، ودفع المملكة ملياري دولار مقابل حماية الجيش المصري لهما لمدة 69 عاما! حتى ثارت موجة غضب بين أطياف المجتمع، تقابلها موجة تبرير من المؤيدين تنفي تبعية الجزيتين لمصر!
وقد صرح أستاذ القانون الدستوري محمد نور فرحات قائلا: \”الجزيرتان مصريتان لأن هناك وثيقة قانونية مبرمة منذ عام 1907 تؤكد أن تيران وصنافير تقعان ضمن حدود الدولة المصرية، وهى منشورة في محيط كتاب الشرائع، فضلا عن أن وثيقة \”الباب العالي\” تؤكد أن تيران مصرية، واضاف أنه لم يحدث في تاريخ الدولة أن تطوعت الحكومة باصدار بيان تؤكد فيه أحقية دوله أخرى في اقليم متنازع عليه\”، مؤكدا أنه وفقا للمادة 151 في الدستور الحالي، لا يملك الرئيس حق التنازل عن شبر واحد من ارض مصر.
الآن وبعد خمس سنوات من الثورة، وبعد أن كان العالم كله مذهولا من قوة شعب استطاع أن يجبر ديكتاتورا مثل مبارك بالتنحي عن الحكم، وبعدما كانت رؤوس المصريين مرفوعة في سابع سماء، دفنت الآن في سابع أرض.. نحن الشعب الساكت عن حقه وعن حريتة وعن حقوقة التي تنتهك يوميا، ولا يدافع عنها، بل إنه يبررها بأنها في صالحه طالما أوضاعه مستقرة، ويحكمه رئيس ذو خلفية عسكرية!
90 مليون شخص اغتصبت أرواحهم قبل أرضهم، أي شئ يهون عليهم عدا الثورة أو الاعتراض أو إبداء الغضب على ما يحدث. تمكنت صورة السوط في يد ذلك الجلاد من العقول، معلنة إياك والاقتراب من الحقيقة, إياك والتفكير بالمنطق, إياك والاعتراض.
وهؤلاء الشباب الثائرون الغاضبون، هم بلا شك إما خونة وعملاء لإسرائيل وأمريكا، أو يعملون لصالح الجماعات الإرهابية، لكن مصر أم الدنيا.. وهتبقى قد الدنيا!