استمع لأغنية هبة طوجي (مزروعين) مرات عديدة حتى إنها أصبحت جرعة مهمة كل صباح.
للمرة الكم التي استمع فيها للأغنية؟
لا أتذكر بالضبط، ولكن يحضرني (كوميك) رأيته على فيس بوك يوبِّخ فيه العقل القلب قائلاً فيما معناه: ستظل تجعلنا نستمع لنفس الأغنية التي أعجبتك مراراً، حتى نكرهها!
استمع للأغنية مُجدداً بابتسامة واسعة واتساءل عن سر تكرارنا الاستماع لنفس الأغاني بعينها، ومشاهدة نفس المسرحيات والأفلام فاغرين أفواهنا من السعادة والضحك.
ما الذي يجعلنا ندمن الأشياء المُبهجة أحياناً حتى نزهدها؟ نتعلق بها فور اكتشافنا لها كتعلق طفل يخاف التوهان من أمه في منتصف الطريق؟
لم تكن اُغنية هبة طوجي هي الأولى، ولكن إدمانها لفترة طويلة جعلني أتوقف عندها للتساؤل عن سر إدماننا وتعلقنا بكل جميل لفترات.
ربما لأن القُبح يأخذ في التوسع حولنا واحتلال كل ما كان يُبهجنا بالماضي غير البعيد، ربما لأننا لم نعد نرى جمالاً، ولا شىء يقتحم خلايانا بالفرح والمُتعة سوى القليل، ولا يوجد ما يعوضنا عن لعبنا (بالفانوس أبو شمعة)، فنتوحد مع النوستالجيا ونحِن لكل قديم حتى ندمنه؟ ربما هي الضغوط الحياتية التي حولتنا جميعًا لأشخاص يعطون للجمال حقه وزيادة لأننا نفتقده.. نفتقد الفن الحقيقي الذي يشعرنا بالحرية التي نبحث عنها ونطالب بها في نفس الآن، فما نلبث أن نشاهد فيلمًا مُغذيًا للروح حتى نعيد مشاهدته لمرات عدة، أو نسمع نفس الأغنية بعينها عشرات المرات.
نفتقد الضحكة الصادقة التي نتمسك بأصحابها فور اكتشافها، نفتقد الكلمة الطيبة التي نسينا أنها في الأصل صدقة إن لم تكن أفضل الصدقات على الإطلاق، نفتقد الصداقة الحقيقة التي نحاول الاحتفاظ بها بكل ما أوتينا من قوة كالقابض على الجمر إن وجدناها، نفتقد الصدق بكل معانيه والحب الخالص والتعاملات الإنسانية السوية والأخلاق الحميدة التي تذبل بالوقت.
احتلال القُبح للأشياء التي كانت تُبهجنا بالماضي يزداد بسرعة غريبة، تحوّل كل شىء نحبه لأشباه جعلنا دائمي التُمسك بإدمان كل ما يُسعدنا.. نكاد لا نصدق أن هناك قلوبًا طيبة وفنًا مُمتعًا وألوانًا من العلاقات الإنسانية الصحية وأحلامًا يمكن أن تتحقق.
أستمع لأغنية هبة طوجي (مزروعين) للمرة الكم؟ لا أتذكر بالضبط، ولكن كل ما أتذكره هو كيف كانت الأحوال جميعها بالسابق، وكيف يمكنني تجديد نشاطي كي أستمتع بكل جميل وسط هذا القبح الذي أحاربه طوال الوقت، ويحاول التوسع حولي، ولكن أبدًا لن يفوز.