إسراء سيف تكتب: الراجل بيعيط

عملت كمدرسة لرياض الأطفال بإحدى مدارس اللغات، وكان موعد حصتي قد حان، فدخلت الفصل لأجد أحد التلاميذ يبكي وتنهره المُدرسة قائلة: هو فيه راجل بيعيط؟
تركتها تكمل حديثها عن أن الرجل الحقيقي لا يبكي أبدًا ويجب ألا نرى له دموعًا حتى وإن كان يتألم! سخر باقي التلاميذ من الطفل المسكين بكلام الأطفال المتعارف عليه قائلين: (عيوطة)

أغلقت الباب وراءها بعد انصرافها وتعجبت كيف تزرع مدرسة في نفوس أطفال صغار بهذا السن أن الرجل لا يبكي أبدًا! تعمدت قبل بداية حصتي أن أشرح للأطفال أن الرجل يمكنه البكاء. نعم يبكي لأنه إنسان، خلق الله له مشاعر ودموع وإلا لِمَ خلقها أيها الصغار إن كانت بلا جدوى؟ بل إن الرجل الحقيقي لا يخجل أبدًا من أن نرى دموعه وهذا لا يقلل من رجولته في شيء.

أشرقت علينا جميعًا ابتسامة الطفل الذي كان يبكي، واستمع باقي التلاميذ الذين كانوا يتعمدون إغاظته في تعجب شديد من كلامي، فبالطبع كلام المدرسة التي كانت تحرم عليهم البكاء هو المُنتشر بين الأمهات وكلامي أنا يبدو من المريخ!
تُحرم فئة كبيرة على الرجل البكاء، وهي نفس الفئة التي تنظر له شذرًا إذا تودد إلى امرأته في العلن وكأن هذا ضعفًا ما! وكأن الرجل لا حق له في التعبير عن مشاعره من حزن وفرح وحب بقطرات من الدموع تغسل روحه ليستفيق لأمور حياته من جديد، وكأنه مخلوق من حجر لا يعرف للمشاعر الإنسانية طريقا. أسمع كثيرا من الأمهات يرددن نفس المقولات لأطفالهم مُصادفة من حين إلى آخر:
الراجل مايعيطش!
بقولك ماتعيطليش!
اثبت كده وبلاش عياط!
وفي النهاية يتعجبن لِمَ يعبر الأطفال عن مشاعرهم بالعنف من كسر لعبهم لضرب زملائهم. إلخ، فقد حرموا عليهم في هذا السن البكاء، إلى ماذا سيلجأون بالنهاية للتعبير عن حزنهم؟!

ويظهر لنا عدد من الرجال في النهاية لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاعرهم فيتخبط منهم من يحزن ويؤذي منهم من يغضب ويختار أي فعل يعبر به عن مشاعره سوى الطريقة السليمة الفطرية. البكاء!
أن يتهمك أحدهم بنقص ما في رجولتك ولو بالتهكم والنظرات السخيفة ليس بالأمر الهين خاصة في مجتمع شرقي، ولكن البكاء ليس حكرًا على النساء، كما أن الرجل الذي يبكي أفضل بكثير من الرجل الذي لا يعرف معنى الإحساس!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top