إبراهيم عبد الفتاح يكتب: أغنيات لها تاريخ.. يا حادي العيس

تحتل الإبل في التراث العربي والإسلامي مكانة كبيرة وسموها سفينة الصحراء والمال ومن أسمائها الكثيرة: الجمل، ويطلق على الذكر منها، ولقب بأبي أيوب وأبي صفوان والناقة، وهي الأنثى والمطية والفحل والبعير والبكرة والراحلة والهمل التي بلا راع، وعدة أسماء أخرى قد نفسح لها مجالا فيما بعد.

وقد كانت مهر العروس وكنز القبيلة.

كما أنها خلدت في نثر وشعر العرب كثيرا، لعل أشهرها ما ورد على لسان محمد بن القاسم المعروف بعاني الموسوس، والذي رحل من مصر إلى بغداد في أيام المتوكل العباسي، حين نظم رائعته: \”يا حادي العيس\” من بحر البسيط في ست أبيات:

لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم وثوروها فثارت بالهوي الإبل

وأبرزت من خلال السجف ناظرها ترنو إلي ودمع العين ينهمل

وودعت ببنان خلته عتما فقلت لا حملت رجلاك يا جمل

ويلي من البين ماذا حل بي وبها من نازح الوجد حل البين فارتحلوا

يا حادي العيس عرج كي أودعها يا حادي العيس في ترحالك الأجل

أني على العهد لم أنقض مودتهم يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا

هذا الشاعر الذي ضج به الحنين لحبيبته ودياره، عاصر أبا نواس وأبا تمام والمبرد وأنشدهم من شعره، وذلك إبان إقامته في مدينة السلام التي توفي بها.

وردت أبياته أيضا في كتاب الأغاني للأصفهاني والعقد الفريد لابن عبد ربه ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني وديوان المعاني لأبي هلال العسكري وتاج العروس للزبيدي وطبقات الشعراء لابن المعتز وغيرها من أمهات الكتب، كما درس شعره باعتباره مجايلا لكبار الشعراء أمثال: البحتري والحسين بن الضحاك وديك الجن الحمص، وكان شاعرنا قد قضى نهاية عمره في دير رهبان يسمي دير هرقل، هذا وقد قدمت مغناة لأول مرة من مقام الحويزاوي وهو من فروع مقام الحجاز بصوت محمد القبانجي، ثم غناها – فيما بعد – ناظم الغزالي وقدمها في حفل الكويت الشهير، كما غناها – فيما بعد – سعدون جابر في مسلسل بعنوان ناظم الغزالي، وقد تأثر بها بيرم التونسي ونظم على منوالها أغنية سجلها بصوته المصري صالح عبد الحي يقول في مطلعها: يا حادي العيس خليني أسير وحدي للي فاتوني وخلوني آسير وحدي.

أما المنشد المصري مصطفي أمين فقد أضاف إليها مجموعة أبيات تخيل فيها حوارا بين الشاعر وراهب الدير يقول فيها:

ولما رأيت بأن القوم قد رحلوا وراهب الدي بالناقوس مشتعل

وضعت عشري على رأسي وقلت له يا راهب الدير هل مرت بك الإبل

يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني عن البدور اللواتي عندكم نزلوا

فحن لي وبكى بل رق لي ورنا وقال لي يا فتي ضاقت بك الحيل

إن الخيام التي قد جئت تطلبهم بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

كما ضمنها مؤلف ألف ليلة حكاياته، وصارت مخلدة عبر العصور شأنها في ذلك شأن النصوص التي سجلت حياة الإنسان العربي بكل تفاصيلها، وظلت تسير من درب إلى درب ومن بلد إلى بلد يضيف إليها الناس ويحذفون منها وفق متطلبات ومعطيات كل عصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top