أمينة عرابي: هل تعرف تلك الـ "سعيد" عن اللاجئين المصريين داخل بلدهم؟

\”إن شالله تدخلوا جهنم\”.. قالتها سيدة أربعينية لشاب ملتح بعدما أخبرها أن الشنط الرمضانية لأناس أكثر منها احتياجاً، كانت إحداها لرجل عجوز مصاب بشلل رباعي لم يتبق له أحد، وآخر يعيش بين قطع خشبية و\”كراتين\” جمعها بشكل عشوائي لينام بينها فوق سطح غرف مجمعة يعيش بداخلها عدة أسر.

كان زملائي بإحدى الجمعيات قد تعرفوا على مجموعة أفراد بإحدى المناطق العشوائية الفقيرة العائل الشائع فيها هي الأم تحت راية تلك المجموعة وزوجاتهم المنتقبات بعد أن كونوا كيانا اجتماعيا به أنشطة للصغار –يخضع لأفكارهم- مجانا بالإضافة إلى إعطاء أسرهم شنط مأكولات شهريا، شرط حضور صغارهم للدروس بانتظام، وإلا يحرموا من شهريتهم.

في بداية الطريق كانت أسرا رقيقة الحال يغيب فيها الأب، إما للشغل أو هجره الكامل للبيت أو الاختفاء والظهور فقط للمبيت، ثم يتركونهم مرة أخرى يعتمدون اعتمادا كليا على الآخرين ومعوناتهم، بعدها انتقلنا إلى مدى أبعد تسمى منطقة الضغط العالي، تنتشر فيها خطوط كهربائية تبدأ وتنتهي عند الأشكال الهرمية للكهرباء، تضم عششا يعيش فيها أشباه ناس ينتظرون ما يجود أو يمن به الآخرون كل موسم تقربا لله، وكأن الله لا يظهر أو يسمعهم سوى في أيام محددة من العام.

لم نستطع النزول من الـ \”ميكروباص\” بعد أن أخبرنا ممثل جمعية المنطقة أنه من المستحسن عدم النزول، سمعنا حينها دعوات سكان المكان علينا لأننا لم نجلب لهم شنطا كالباقيين، وأننا نخفي شنطا أخرى نمنعها عنهم، ثم فجأة وجدنا محتويات الشنط تتخطف في الهواء، وأياد عدة كل منها تحاول أن تأخذ ما تستطيعه، لم نتحدث داخل العربة، بل نظرنا إلى بعضنا في هلع، فكنا صغارا حينها ونظن أننا نقوم بفعل الخير وأن الجوع مهما يكن لا يجعل البشر تخرج انفعالاتها بشكل فوضوي، و و و.. وكأننا في عالم آخر بمعزل عنهم.

لكننا لم ننهرهم ونسخر منهم كتلك الـ \”ريهام سعيد\” التي سخرت من اللاجئين السوريين وتمنت أن تعود إلى أحضان الشعب الراقي الذي لا يقل مجاعة ومهانة عن الشعب السوري، باختلاف الأسوار/ الحدود التي تحيط بكل منهما، وكأنها لو في مكان أي منهم ستكون أكثر رقياً ولن يحركها الجوع والحاجة، ونسيت أن كل هؤلاء كان لهم بيوتا وأصولا وتاريخا ساعد في تدميره من هم على شاكلتها.

وهل يعلم من انحاز لها وصفق: \”برافو ريهام.. هم اللي عملوا في نفسهم كده\”.. كم من المناطق تحوي عشرات الآلاف من المصريين كاللاجئين، يترفع من يعيش بجوارهم عنهم ويتعالى عليهم، لكنه لا يتردد في استخدامهم أو اللعب معهم بشعاراته عند الحاجة أو للـ \”شو\” الإعلامي، ثم يلقيهم خلف ظهره مرة أخرى، ثم يتململ من وجود مثل هؤلاء داخل موطنه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top