\”ده انتِ حتى دكر مش من جنس البنات\”.. جملة أتوقف عندها كثيرا عندما يلقيها بعض الذكور في مختلف المناسبات على مسامع أي فتاة قررت خوض الدفاع عن نفسها والتصدي لأي محاولة لإيذائها أو التعدى على حق لها.
من الممكن أن تسمعها في المترو عندما تخبر أحداً أنها عربة السيدات، فتضحك رفيقته بدلا من توبيخه أو تلتزم الصمت رغم انها لا تختلف عنك في الملامح، أو في الشارع عندما تقول إن فلان حاول التحرش بك، فبدلا من الاعتذار والخجل من فعله، يستمر في أذيتك، ويزيد: \”بصي لنفسك في المرايا\”، ليضحك من معه وكأنه سجل انتصاراً عليها.
ويزداد الموقف سوءا عندما يقف الغرباء في صف المعتدي، لأن البنت لم تلتزم الصمت أو تدعه يمر بدون شوشرة، بل تجرأت ورفعت صوتها بدلا من خجلها من فضيحة التحرش بها، وكأن المخجل هو رد الفعل، وليس الفعل الحقير ذاته!
أو حينما يصفها بنات جنسها خاصة الأمهات منهن بـ \”المتبجحة، اللي شايلة برقع الخجل\” لأن البنت مهما فعلت بها، يجب أن تظهر ملامح تربيتها في مواجهة الفعل الحقير، ويا ويلها إن كانت ترتدي ملابس تليق بها وليست على أهوائهم، فيصفونها بـ \”العاهرة\”.. \”أصل بيتهم مفيهوش راجل\”، وأنها لولا ما ترتديه ما كان تجرأ أحدهم ليضايقها، وكأن الذكر لا يعطي لنفسه الحق بالعبث في جسدها بعينيه حتى لو ملفوفة في توب قماش.
أما على مستوى الأصدقاء، فلم ينج أحدا من محيط تلك العبارات، فبعضهم يعتبر البنت حتما هي الرقيقة طوال الوقت، التي تختفي وراء ظهورهم من الخوف عندما يتعرض لها أحد أو تتدلل دائما في معظم أحاديثها، ولابد أن يكون صوتها هادئ \”ويا سلام لو جسمها حلو مش تخينة\”، وإلا قد يقول لكِ في إحدى المرات أنك كأخيه ولستِ كأخته، ويتعامل معكِ طيلة الوقت أنك بشنب مثله، فتخلو كل تعاملاته معك من الذوق والآداب لأنك على حد تعبيره \”بت ناشفة\”.
أتذكر منذ فترة عندما قمنا بالتدريس – تبعا لأحد البرامج داخل منطقة عشوائية وليست شعبية – وتعرضت إحدى الزميلات للتحرش الجسدي مرتين لأنها \”بشعرها\”.. يعني \”حلال حلال\”، أو البذاءة الكلامية التي وجهت لي في طريقي للمدرسة من أحد التلاميذ طول جسمه في طول ركبتي لأني أرتدي ما يناسبني.
مجتمع معظمه لا يعبأ بما تتعرض له الكثيرات من ضغوط تجعلها دائماً متحفزة لما ستقابله حالما نزلت إلى الشارع أو ذهبت إلى عملها، او اضطرارها لنبش أظفارها وهي ترتعد خوفا من الداخل.. تتمسك بما تبقى من شجاعتها، بغض الطرف عن سلوك الأسرة والأقارب معها، أو تنظير فتيات العائلة عليها لأنها \”واخداها على صدرها بزيادة وده يفقدها أنوثتها ومش هتلاقي حد يتجوزها، محدش بيتجوز راجل زيه\”.
ثم يأكدن لها بغمزة عين أن \”الضعف أنثى\”.. متناسيات أن تلك الأنثى تحتمل ما يفوق طاقة الرجال في الحياة العادية، بل هي أقوى منه في الكثير من المواقف لكنها لا تتباهى.
فصمي آذانك عن عباراتهم العفنة، فما هي إلا عبارات تخلو من الحقيقة، يتخذونها للاختباء وراءها بدلا من مواجهة قبحهم، فأين أفعال الرجال من ذلك؟!