ليس كل تردد وراء قرار انتحار فتاة ما في بلادي، هو لخوفها من ملاقاة الله على ذنب، فما يحدث في بلادي بالتأكيد لا يرضى عنه الله، قد يكون الله أو فطرة حب الحياة أو \”كلام الناس\”، والأخير لا يهتم بالنية، طالما كان المنتحر أنثى، فالأنثى في بلادي دائما عرضها مباح ودائما ما يكون هتك عرضها هو الافتراض الأول، خاصة عندما تكون فتاة عادية وسط مجتمع كمجتمعنا حتى يتبين العكس، أو يخفون ملامح الانتحار فتبدو للناس ميتة عادية، باستثناء قرارات خاصة نُفذت في صمت غير عابئة بالقيل والقال، فالأنثى في بلادي مجبرة أن تفكر فيما سيقال عن أسرتها والعار الذي سيلازمهم لقرارها هذا، حتى وإن كانت كالميتة، فتتراجع حتى وإن كانوا سببا أصيلا في شقائها، فهم \”في الآخر غلابة\” أو \”لا يستحقون منها ذلك\”.
أما الذكر في بلادي، فهو لا يلقى سوى الشفقة المغموسة بكراهية الموت على كفر، لكنه دائما عذره معه، فهو إما غير موفق في وظيفة أو زيجة أو حتى لا يستطيع أن يحمل عبء نفسه بعد يأسه، فلا يموت في صمت، لا يقبل -الكثير- سوى الموت في العلن، واضعين عدم معرفتهم العيش في رقاب باقي المجتمع، لكنه في النهاية يُلتمس له العذر.
فالأنثى في بلادي لا تجرؤ على الانتحار حفاظا على سيرتها، لكن وأد المجتمع لها حية جائز، إن لم يكن مستحبا، فهي بمفاهيم المجتمع الأرعن أنثى، لا يفكرون فيها كأم مقاتلة ترعى وتربي وتحارب.
فإن لم تكوني فتاة أجنبية تعيش في بلاد لا تحاسب الموتى على موتهم وتجلد ذويهم بعيونهم وهمساتهم، فتظاهري بالغرق أو بالغفلة وأنت تعدو الشارع، فذلك يجنب أهلك الاتهام، بغض النظر عن حقك في الحياة وليس الموت، فهم يلتمسون العذر لقسوة الحياة ويستخفون بقسوة ألسنتهم.
تلك ليست دعوة للانتحار أو رفضه، فقرار الحياة في بلد كبلادي أصعب للأنثى من قرار الهروب أو الاكتفاء من الألم، وقرار الحياة أكثر شجاعة بالنسبة لي، لكن الحق في الحياة كما تريد، أصبح حلما يخطط له ويحاربه الآخرون بعد وأدهم ﻷحلامهم أو استغلالهم لأضعفهم، لكنها تذكرة بالرحمة بالناس في اختيار ما يرغبون، دون التنظير القاسي على قدرهم، أن لا تكون جلادا في الدنيا وعلى عتباتها.