لن تجد الكثير حين تبحث عن اسم خالد علوان، فإن المعلومات قليلة للغاية لا تتعدى بعض الوصف لهيئته وأخرى أقل عن عملية الويمبي التي قام بها في 24 سبتمبر/أيلول عام 1982. تلك العملية التي خلدها عاطف الطيب بتفاصيلها البسيطة في فيلمه ناجي العلي بمهارة عام 1992.
من هو خالد علوان؟ هو شاب أشقر مربوع القامة، كما تصفه إحدى الفتيات التي صادف وجودها بمقهى الويمبي وقت تنفيذ العملية، يضع نظارتين فوق عينيه، وقد طالت لحيته الشقراء. وهو عضو في الحزب السوري القومي الإجتماعي، لكنه قام بعمليته الشهيرة دون مشاركة الحزب، بشكل فردي وبدون تخطيط سابق.
الصدفة وحدها ما قادته إلى شارع الحمراء ببيروت في مهمة بحث عن خائن ما، لكنه ما إن رأى ضباط العدو يمرحون في مقهى الويمبي، حتى تغيرت الخطط تماما، وتم التخطيط للعملية بشكل سريع ودقيق في آن.. كانت تلك العملية هي بداية الشرر الذي انطلق في شوارع بيروت شمالا وجنوبا وتدحرج ككرة ثلج. ولم يمر الكثير من الوقت على عمليات مشابهة، حتى انطلقت مكبرات الصوت الصهيونية تصرخ: \”يا أهل بيروت، لا تطلقوا النار، إنا راحلون\”.
يقول خالد راويا تفاصيل الحادث: \”كنا في جولة تفتيش عن العميل وليد الجمل، نجوب شوارع بيروت لننفذ حكم الأمة بالخائن، حين فوجئنا بثلاثة من ضباط العدو وجنوده. كان أحدهم برتبة نقيب وآخر برتبة ملازم أما الثالث فإنه جندي عادي، قد يكون قائد السيارة. لكزت رفيقي م. و.ع. وفهمنا على بعض، لكننا لم نكن نملك سوى مسدس واحد فقط، ولم يكن بحوذتنا. فهرعنا إلى رفيق لنا في عين المريسة وأعطانا إياه، أما رفيقنا طوني روكز الذي اختطفته قوة من جيش بشير الجميل فيما بعد، فأحضر لنا مسدسا من عيار 14-9. كما أهدانا الدكتور عبد الله سعادة مسدس سميث من عيار 36\”.
تكمل فتاة المقهى الحكاية: \”كنا نحتسي المبردات، حين دخل فجأة الشاب الأشقر. وبادر فورا إلى انتزاع كأسي من أمامي ليرتشف منه وهو يبتسم. وعندما لاحظ الانفعال على وجه رفاقي، بادر بسرعة بالكشف عن مسدس مخبأ في ملابسه. الأمر الذي تركنا نتوقع حدوث أمر ما بتنا ننتظره بفارغ الصبر. كان يجول ببصره في زوايا المقهى، وعرفنا فيما بعد أنه في انتظار رفيقين له، ذهبا لإحضار سلاحهما. ثم مشى بين الناس، وكان رفيقاه يدخلان من اتجاهين مختلفين. كانت لحظة أشبه بالخيال.
وصل الثلاثة في وقت واحد إلى حيث يجلس ثلاثة من ضباط العدو وجنوده يحتسون القهوة. وفي ثوان معدودة كانت مسدساتهم على مسافة لا تبعد أكثر من سنتيمتر واحد عن رقاب اليهود. وانطلقت رصاصتان وبحركة خاطفة أمسك المسدس من فوهته وضرب بها رأس الضابط اليهودي بالمقبض بعنف شديد.
لقد شاهدت فجوتين كبيرتين في رقبتيهما، أحدثهما الحريق الناتج عن الرصاصات القريبة، كما شاهدت الضابط الثالث يهوى على الأرض والمسدس مُثبت برأسه. ثم انهمر الرصاص في كل اتجاه من ناحية شرطة السير الذين كانوا يجوبون المنطقة\”.
ارتبط اسم خالد علوان أو الرفيق ميشال، كما كان يحب أن يُسمى، بشارع الحمرا بعد تلك العملية الجريئة التي أعادت الدماء للمقاومة وكانت بداية تحرير بيروت. وتبقى المفارقة أن الرفيق ميشال لم يُستشهد في أثناء تنفيذه لعملية الويمبي، لكنه واصل عمله المقاوم وشارك في العديد من العمليات ضد الاحتلال. وظل استشهاده حادثا غامضا، تم على يد عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي، وكما يقول حبيب الشرنوبي، لم ينل في ذاك الوقت شرف المقاومة، بل عار المجازر والمذابح الطائفية بحق المسيحيين الوطنيين في الجبل.
كان حبيب الشرتوني عضوا في الحزب السوري القومي الاجتماعي كذلك. حيث انضم رسميا له في أواخر صيف 1977 وأصبح عضوا عاملا منذ ذلك الحين. وهناك التقى بنبيل علم، مسئول الشؤون الداخلية في الحزب في ذلك الوقت، الذي أقنعه باغتيال بشير الجميل، الرئيس اللبناني الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي عنوة على الشعب اللبناني.
وفي ليلة 13 سبتمبر/أيلول 1982، تسلل إلى الطابق الثاني من المبنى الذي يقع فيه المقر الرئيسي لحزب الكتائب بالأشرفية. ولم يثر تصرفه أي شكوك، حيث إنه يقطن في نفس المبنى مع أقاربه. دخل إلى غرفة بجوار الغرفة التي سيجلس بها بشير الجميل ورفاقه ووضع حوالي 50 كيلوجرام من المتفجرات. وفي اليوم التالي، انتظر حتى تأكد من وصول بشير، ثم ركض إلى حي النصرا، حيث مكان المفجر. وبعد بدء الجميل خطابه بعشر دقائق، ضغط الشرتوني المفجر، وسُمع صوت الإنفجار في كل أنحاء بيروت. وبعد الإنفجار عاد مرة أخرى إلى الموقع لتفقد النتيجة.
بعد يومين من تنفيذ العملية، قامت القوات اللبنانية باعتقال الشرتوني، الذي اعترف دون تردد أو خوف أمام مؤتمر صحفي قائلا: \”أنا حبيب الشرتوني، أقر وأنا بكامل أهليتي القانونية بأنني نفذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميل، ولست نادما على ذلك. بل على العكس، إذا أتى مرة أخرى، فسأقتله، وستصح مقولة (لكل خائن حبيب). وأبشركم أن هناك ألف ألف حبيب لكل خائن عميل في بلادي\”.
وقد قضى الشرتوني 8 سنوات في سجن روميه بدون أي محاكمة رسمية على أثر هذا الاعتراف. ونجح في الفرار عام 1990 خلال الهجوم السوري على لبنان في نهاية الحرب الاهلية.
وفي حوار أجرته صحيفة الأخبار اللبنانية معه عام 2012، سأله المحاور:
– إذا عاد بك الزمن إلى الوراء، فهل ستنفذ عملية الاغتيال؟
أجاب:
– لن يعود الزمن إلى الوراء، ولست هاوي اغتيالات، لكن اقتضت مني التضحية ذلك، لأن مصرعه أنقذ البلاد. تخيل لو بقى الاحتلال جاثما على ثلثي مساحة لبنان مع حتمية إكماله لما بدأه، وبقى بشير الجميل على سدة رئاسة مطلقة الصلاحيات الدستورية والميدانية.
يعيش حبيب الشرتوني حاليا بعيدا عن الظهور الإعلامي والسياسي والحزبي، ويمضي أجمل أوقاته مع عائلته. وعندما يتذكر خالد علوان يقول: \”جميل جدا التغني في كل عام بذكرى عملية الشهيد خالد علوان في مقهى الويمبي. والأجمل أن هذه العملية الاستشهادية الأولى، كما صارت تُسمى العمليات من هذا النوع منذ عام 1983، وقد كانت تُسمى منذ مطلع القرن العشرين وحتى تاريخ وقوع عملية الويمبي بالعملية الفدائية أو الانتحارية أو النضالية أو الاستبسالية وما شابه ذلك من تسميات. والتي جرت بعد احتلال بيروت بمبادرة فردية من الشاب البيروتي، قبل انطلاق العمليات المنظمة في إطار ما عُرف بجبهة المقاومة الوطنية، على أثر اغتيالي لبشير الجميل وبدء العد العكسي للاحتلال الذي كان جاثما فوق لبنان وغير عازم على الانسحاب لولا فشل مشروعه الذي أتى ببشير الجميل من أجله، ستبقى علامة عز على جبين بيروت، التي أبت إلا أن تقاوم الاحتلال\”.
لو مررت بشارع الحمرا ببيروت، ستجد لوحة كرتونية صغيرة وُضعت لتخليده. لوحة لا تليق بمقام خالد علوان، الشهيد الذي فجر المقاومة اللبنانية بجرأته وبمسدس صغير. يقول أسعد أبو خليل: \”نحتاج إلى أن نعتذر من خالد علوان ومن عائلته ورفاقه. نحتاج إلى أن نجعل منه أسطورة في الممات، كما كان أسطورة في الحياة\”.