إذا بحثت في جوجل عن كيفية عمل سيرة ذاتية تؤهلك للعمل في الشركات العالمية، ستجد بعض النصائح التي تقول اجعل صفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي سرية، بحيث لا تظهر في آليات البحث والأفضل أن تكتب إيميل في السيرة الذاتية مختلف عن الإيميل الخاص بصفحاتك على الفيس بوك وتويتر، وهذا لأن الشركات العالمية تعطي لنفسها الحق أن تطلع على مواقعك الإلكترونية لترى إن كنت مؤهلا نفسيا للعمل بمملكتها الخاصة أم لا.
ما اكتشفته مؤخرا أن الشركات المصرية تطبق هذه السياسات عند التعامل مع السير الذاتية التي يرسلها الشباب الراغب في العمل معهم، ويقوموا برفض الشباب الساخر، لأن السخرية من الواقع ومن الشخصيات العامة تعني أنهم لابد ساخرون من مديريهم كذلك، ولأن السخرية بشكل عام هي أسلوب حياة كامل يجعل من الفرد شخصية سلبية لا تتحمل مسئولية ولا يعتمد عليها.. تماما كما تفعل المنظومة الأمنية في مصر، التي تتضمن فروعا كثيرة مثل الداخلية المصرية، التي ربما تعذب شخصا في الأقسام بسبب تويتة أو استاتوس على الفيس بوك، ومثل أساتذة ودكاترة الجامعات المصرية الذين يفصلون الطلاب بناء على تعبيرهم عن آرائهم على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالطبع مثل المديرين الذين يطردون موظفيهم لأنهم شاركوا أصدقاءهم كوميكس ساخرة تنتقد أداء الحكومة المصرية.
وبالطبع أضم صوتي لها.. لماذا لا يعبر الشباب عن رأيه في الشوارع بدلا من التعبير عنه على صفحات التواصل الاجتماعي؟ لماذا لا يكتبون آراءهم بحرية في الجرائد أو يعلونها في البرامج التلفزيونية؟ لماذا لا يستفيدون من الحرية الطافحة التي توفرها لهم مصر الحبيبة؟ الحرية التي ننكرها لأننا أنذال لا يطمر فينا شئ.
لا تطبق الإدارات المصرية في الفروع المصرية من الشركات العالمية، إلا أسوأ القوانين، ولا ترقى لمستواهم.. جميعنا يعرف تماما أن تلك الشركات ما هي إلا قلوع محصنة لا يدخلها إلا صاحب الواسطة الكبيرة والمحسوبية، والتمرمغ في نعيمها يكون بحسب درجة الواسطة التي أنعمت عليه بدخول جنتها.
كما أن بحسب تقرير اصدرته منظمة ايرنست ويونج في ديسمبر الماضي، وهي الشركة الاستشارية الدولية، والتي تعتبر الرابعة عالميا في مجال الاستشارات الاقتصادية والخدمات المهنية العالمية، أن مصر هي الأولى عالميا في فساد القطاع الخاص. حيث أصدرت مع الانفوجرافيك تقريرا دوليا عن الفساد في القطاع الخاص في 59 دولة، وقد جاءت مصر فيه بالمركز الأول عالميا في مؤشرات الفساد بالشركات المصرية بنسبة 44%، وأكد التقرير العالمي أن أكثر من 44% من رؤساء شركات القطاع الخاص المصرية يمارسون نوعا من أنواع الفساد الداخلية أو الخارجية مع الحكومة أو شركات أخرى، خصوصا الرشاوى والعمولات للحصول على امتيازات.
أوضح المسح الذي أجرته المنظمة أن 80% من رؤساء الشركات المصرية يعتقدون أن الفساد منتشر في القطاع الخاص بمصر على نطاق واسع، بمؤشرات أعلى من دول مثل كينيا ونيجريا! كما أكد ذلك البنك الدولي في تقرير صادر له في سبتمبر الماضي يقول إن الجدوى الاقتصادية للقطاع الخاص المصري، قد وصلت لأدنى مستوياتها بسبب سياساته الفاسدة القائمة على منح امتيازات احتكارية لشركات بعينها دون أخرى؛ مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص في السوق بين شركات القطاع الخاص.
القطاع الأعلى فسادا في العالم يحكم علينا ويحرم الشباب المصري من فرص العمل، لأنه يخشى السخرية والصوت العالي.. القطاع الأعلى فسادا يراقبنا ويتحكم في كلماتنا التي لا نجد لها مخرجا سوى عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل ويتباهى كذلك بتلك الأمور، فنجد العاملين في أقسام \”الإتش أر\” يعترفون بأريحية تامة أنهم يختارون الشباب الأقل صخبا.. الذين لا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي سوى في نشر الطاقة الإيجابية، مثل كلمات التنمية البشرية السخيفة.
اقول لكم إذا بليتم فاستتروا.. ارتقوا أولا بمستوى شركاتكم لتصبح في نفس مستوى مثيلاتها العالمية، ثم طبقوا أنظمتهم وقوانينهم، أو فلتشرحوا لنا كيف تجتمع الطاقة الإيجابية مع الحياة في المحروسة؟
هؤلاء من مريدي زارا في غير مواسم التخفيضات.. الذين لديهم المقدرة على تقضية شهور الصيف على شواطئ الساحل الشمالي وأراضي البحر الأحمر الغارقة في الفساد والسرقة، لعلهم لا يدركون أنهم يعملون في قطاع يوصم بالعار والخذلان، ويعتقدون أنهم بيشتغلون بجد \”وكده\”، وفي الحقيقة هي أنهم لا \”يشتغلوا\” سوى أنفسهم الضعيفة. وبتعاليهم على طبقات المجتمع المصري المختلفة ورفضهم للشباب الحر ذي الصوت العالي، يؤكدون أنهم لا يعرفون جيدا حقيقة الوضع المنغمسين به.
ويفسر هذا الكثير بخصوص بعض العاملين في الشركات الكبيرة/ المالتي ناشيونال، حيث تجدهم دائما يفتقرون إلى الخيال والابداع، لأن أسس اختيارهم تتم على أساس الخضوع والسير وسط القطيع والانغماس في التروس العملاقة التي تدير المنظومة الرأسمالية الفاسدة.
حين انتقلت السينارست نادين شمس إلى جوار ربها.. كتبت إحدى المديرات بإحدى الشركات متعددة الجنسيات أنها لا ترى شخصية نادين مفعمة بالحياة، لأن صفحتها على الفيس بوك لا تنطق إلا بكل ما هو سلبي ويبث طاقة سلبية عظيمة.
ألقيت نظرة على صفحة الراحلة التي ماتت أثر خطأ طبي فادح يهتز له عرش العاملين بمجال الصحة لو كنا في دولة أخرى أكثر احتراما، وجدتها كتبت كثيرا عن المعتقلين والمسجونين في السجون المصرية وعن افتقاد العدل في الدولة المصرية الظالمة.
الآن فقط فهمت كيف ينظر لنا هؤلاء.. كيف يرون حياتنا اللاهثة المضطربة التي نحاول أن نحياها هنا، فلتسخروا على صفحاتكم كما شئتم، وليكن صوتنا عال يصل لحدود السماء ولتذهب الشركات والمؤسسات الفاسدة إلى قاع الجحيم.