أمير رمسيس يكتب: دولة تحبس كاتبا.. هي دولة تعاني من هشاشة في "النظام"

 

في البداية احب أن أذكر عدة كلمات: مؤخرة.. عضو ذكري.. عضو أنثوي.. مؤخرة أخرى، ثم مؤخرات كثيرة.

ما أكتبه اليوم إذن قد يندرج تحت بند خدش الحياء، وهو ما قد يضايق المخدوشين بالسليقة، ولهذا ادعوهم ألا يكملوه بهذه الإفتتاحية.

مما لا شك فيه أن الشهر الماضي هو بلا منازع الأسوأ في تاريخ الحركة الفكرية في مصر.. أربعة أحكام متتالية بحبس إسلام البحيري لمحاولته تجديد الخطاب الديني، وفاطمة ناعوت لإصطدامها فكريا بموروث الخطاب الديني الكلاسيكي، والمنتجة رنا السبكي لإنتاج فيلم سينمائي، وأخيرا الحكم الأسود بحبس الكاتب أحمد ناجي بدعوى أن روايته تخدش الحياء.

أذكر في ٢٠١٢ حضوري للاجتماع التمهيدي لإعلان إنشاء جبهة الإبداع المصري دفاعا عن حرية الفكر والإبداع أمام من تصورناهم الخطر الأسود الداهم على الفنون المصرية، وهم جماعات الإسلام السياسي التي خرجت من بلاعات الظلام إلى مجلس النواب، وبعد ذلك إلى الرئاسة والحكومة.

إلا أننا نجد اليوم المنتج الظلامي الذي خرج من تلك الجماعات، كان لعب أطفال بالمقارنة بالشهور الماضية في حكم من حلوا محلهم.. لم ينتج عن حماقات عبد المنعم الشحات وتصريحات حزب النور الشبيهة بغازات المعدة الكريهة، وعنفوان الإخوان أتباع سيد قطب إلا بعض التصريحات الجوفاء في الإعلام وقضية ضد كل من شريف عرفة وعادل إمام ووحيد حامد عن مجمل أعمالهم، وسقطت في القضاء بسرعة الصاروخ.

أما اليوم.. فها نحن أمام أربع قضايا متتالية يحكم فيها لصالح الظلام.. من دون أن يتدخل فيها من تخيلناه التيار الأكثر ظلامية في تاريخ مصر!

بداية، وفي مسألة حبس كاتب بتهمة خدش الحياء العام.. لابد وأن اسأل عدة أسئلة يستعصي علي فهمها:

من هو هذا \”الأخ\” المدعو العام؟! أهو أنا؟! أم أنت؟! أم يونس مخيون؟! أم البرهامي؟! أم المواطن الذي رفع قضية الحسبة على أحمد ناجي -أو الجريدة التي نشرت فصلا من الرواية؟! أم متحرش الشوارع، والذي يشكل نسبة مئوية من الشعب المصري تتجاوز عدد سكان قطر، كما تقول النكتة الشهيرة؟! من هو هذا العام لنحدد عليه تلك المعايير أصلا؟!

وبعد أن نحدد ذلك الـ\”عام\” وتلك المعايير، فيستعصي علىّ فهم فكرة أن يخدش استخدام مصطلحات وأسماء لأعضاء جنسية في عمل فني -جيدا كان أم رديئا- حياء قارئ افترض –سلفا- أنه ليس طفلا بما أنه اختار قراءة العمل.

لماذا يخدش حياء شخص ناضج فوق سن معين من استخدام اسم العضو الذكري مثلا؟!

بما أنني مهووس بالمنطق والتحليل المنطقي، فأفترض أنه إما لا يمتلك هذا العضو، وشكلت قراءته للكلمة ذهولا من اكتشافه أن هذا العضو موجود، ولهذا يقرر أن يصب غضب الحرمان مثلا على كاتب الكلمة، ويرفع عليه قضية، أو الافتراض الثاني هو ألا يكون يعرف استخدام هذا العضو مسبقا، وخدش الاكتشاف حياءه، فقرر أيضا أن يرفع قضية على كاتب الكلمات! فيما عدا ذلك فافترض أن المواطن العادي الناضج يمتلك أحد العضوين، ويستخدمهما أو -في حالة الكثير من المكبوتين في مصر- يحلم بإستخدامهما بشكل دوري، ويسير في الشارع ليسمع أسماء تلك الأعضاء بشكل دوري.. يعجز استدلالي المنطقي عن إيجاد تفسير آخر لتلك الكلمة.. (خدش الحياء)!

وماذا لو قررنا مثلا أن يرفع العلمانيون قضية موازية للكتب الدينية في أصول النكاح، وما يجوز وما لا يجوز فيه، ليتم حبس كتابها، ومدرسيها من شيوخ، بتهمة خدش الحياء كذلك، طالما ارتضيناها تهمة يحبس من يفعلها؟! أليس من الأسهل أن نقيم أسوارا كبيرة وهمية حول حدود مصر ونجعلها سجنا كبيرا، وهو ما تعمل عليه الدولة باقتدار يوميا، لنصبح مسجونين جسديا، بدلا من هذا الحبس المعنوي السخيف الذي اصبحنا نحياه!

اليوم يبدأ أحمد ناجي في قضاء سنتين من عمره في سجن، وضعه فيه شخص بسبب كلمات كتبها.. لم يرد الشخص والنظام الهش الذي يبحث عن نجاحات أخلاقية تبرر فشله الاقتصادي والسياسي بالكلام، لكنهم اختاروا أن يحبسوا الكلمة، ارضاء لشعب فشلوا في سد جوعه، فحاولوا تعويضه بمنظومة دفاع أخلاقي وهمية.

اعرف أن البعض -وأنا منهم- لسنا مغرمين بكتابات أحمد ناجي.. كما اعلم أن الكثيرين يرفضون فكر إسلام البحيري وفاطمة ناعوت وأفلام السبكي، لكن علينا أن نتوقف قليلا لندرك أن المعركة لم تعد فردية، وأن الصندوق الذي يحاول النظام أن يضعنا فيه يزداد ضيقا يوم بعد يوم، وعليه فإننا يجب أن نتحد لنكسر حوائطه قبل أن يضيق أكثر من هذا.

يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع  “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”،وزحمة“. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top