أمنية طلعت تكتب: قول هناخد إيه من مصر؟

اعترف أنا المدعوة أمنية طلعت السيد محمد، أنني أفنيت عمراً طويلا في عشق وطن لم يجرب ولو لمرة واحدة أن يراني أو حتى يلمح وجودي على أرضه.. عشت عمراً من الهروب والعودة، ما بين غضب وضعف قلب على طول الفراق.. إن علاقتي بمصر يمكن وصفها بدقة، بأنها علاقة حب من طرف واحد.

وبعد هذا العمر الطويل من العلاقة المرضية بيني وبين مصر، أحاول أن أقف منها موقفاً عملياً عقلانياً – على الأقل لمرة واحدة- لأنني واثقة من أن مرض حبها مستعص على الشفاء، تماما مثل فيروس سي والسرطان الذي تمنحه لأبنائها بنفس راضية مرضية.

تقول الأغنية \”ما تقولش إيه إدتنا مصر قول هاندي إيه لمصر\”.. عزيزتي مصر.. هل أنت كيان أناني إلى هذه الدرجة؟ لقد أعطيتك الكثير ولم تعطني شيئاً.. لست الوحيدة في حقيقة الأمر، فهناك كثير من المغفلين الذين أفنوا أعمارهم في منحك كل شئ، حتى أرواحهم وأنت حتى لم تصني العهد بأبسط أمور رد الجميل.. ما الذي يدور بخلدك يا أيها الوطن الأناني الجحود؟ أن تظل تأخذ دون مرة واحدة من العطاء؟

أعترف أنا المواطنة المصرية الغبية، التي لم يمكّنها ضعف قلبها من تكملة إجراءات الهجرة إلى كندا، وظلت تبكي مؤرقة ليلة بأكملها، بعد أن تسلمت أوراق الهجرة من المحامي لتعبئها بالتفاصيل وتكمل أوراقها، لتستيقظ صباحاً وتمزق الأوراق قائلة بنبرة لا تخرج سوى من شخص أبله: \”لن أكون سوى مصرية\”.. أعترف أنا الغبية؛ أنني نادمة تماماً على أعوام العشق الأسود التي أفنيتها في حب من طرف واحد.

ما الذي أخذته من مصر حتى أعطيها شيئاً؟ مصر لم تنفق قرشاً واحداً على تعليم أبنائي، وحتى عندما جربت أن ألحق ابنتي بإحداى جامعاتها، حتى الخاصة منها أوصدت الباب بوجهي باسم القوانين البلهاء والعقيمة، والآن تفتح بلاد الفرنجة أبوابها لابنتي حتى تتعلم بها دون قيد أو شرط مرحبين بموهبتها التي لم تعتبر لها مصر.. ما الذي أخذته من مصر التي أدفع ضرائبي فيها بانتظام، لكني لا أحصل مقابل تلك الضرائب على أي شيء، لا تعليم ولا صحة ولا حتى طرق محترمة تحافظ على سيارتي.. سيارتي التي أنفق عليها شهرياً مبالغ طائلة بسبب الطرق الوعرة.. ما الذي أخذته من مصر التي قتلت أصدقائي بأخطاء طبية وأخطاء بوليسية ومياه ملوثة وقهر يسفك الأرواح، ومازالت تقتلهم ومن يدري متى يحين دوري؟

ما الذي أخذته من مصر سوى الخديعة التي تربينا عليها بأننا ننتمي لأعظم الأوطان وأننا أعظم الشعوب، وعندما أسير في الشارع لا أرى سوى القذارة التي لم يستطع أعظم الأوطان أن يجمعها ليسمح لي بالعيش في شارع نظيف.. ما الذي أخذته من وطن يحرر الأسعار ويتركني فريسة للغلاء.. ما الذي أخذته من وطن لا أستطيع حتى أن أمشي في شوارعه آمنة مطمئنة؟ ما الذي أخذته منك يا مصر سوى الرعب اليومي الذي أعيشه كي أطمئن على أبنائي وانهم لم يذهبوا ضحية لفوضاكي وقنابلك.

عزيزتي مصر.. أحب أن أبلغك بمنتهى الصراحة: أنت أرض تنهش الأرواح وتفترسها بلا رحمة، فلا أرضك طيبة ولا نيلك طاهر، وملعون هو من يطأ أرضك ويستظل بسمائك، لكني لا أملك القدرة على الفرار من لعنتك.

عزيزتي مصر: اعلم تماماً أن مرض عشقك من الصعب أن أبرأ منه، فهو مرض مزمن لا فرار منه، لكني أعدك أنني سأعمل على خروج أبنائي منك، ولن أقول لهم سوى جملة واحدة على بوابة مطارك: لا أرغب في رؤيتكم على هذه على الأرض مرة أخرى.

ملحوظة: أعزائي المواطنين الشرفاء.. هذا مقال مسموم فلا تقتربوا منه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top