أمنية طلعت تكتب: الاحتلال الجديد.. تيران وصنافير اتسلموا بالحب

عندما تستمع إلى أحدهم وهو يبرر للتخلي عن الأرض بأنه لا يعرفها ولم يسمع عنها من قبل، وبالتالي ما هو الضرر العظيم الذي سيقع على الوطن لو تم التنازل عنها لدولة أخرى، يرتفع ضغطي أكثر.

لو طبقنا هذا المنطق بشكل عام، فلسوف نتحول إلى بليدات صغيرة متناثرة جوار بعضها البعض، ولاختفت دولة مصر تماما من على الخريطة.

أغلب المصريين يعرفون القاهرة والإسكندرية، ولكنهم لم يسمعوا عن مكان آخر عدا المكان الذي يقع فيه منزلهم. عزيزي المبرراتي المتواطئ الخانع في مذلة؛ أياً كانت أسبابك لتبرير التنازل عن تيران وصنافير، فأنت إما منتفع أو أهبل.

هل سمعتم عن (سُدس وتلت)؟ هل سمعتم عن (إقفهص والشُقر)؟ هل يعني عدم معرفتكم بهذه القرى المصرية التابعة لمحافظة بني سويف أنه عادي جداً \”نديهم\” للسعودية أو ‘سرائيل؛ لن يهم في حقيقة الأمر حينها لأي هوية سياسية ودينية تنتمي تلك الدولة.

كل بلاد الدنيا جميلة، لكن أجمل من وطني لا.. أغنية كنا نستمع إليها في الطفولة، وعندما خرجت لرؤية بلاد الدنيا، اكتشفت أن كثيرا منها أجمل من وطني، ولكنني لا انتمي إلى هذا الجمال، وإنما إلى هذا الشارع الفوضوي المعبأ بالغبار والقمامة، لأنه شارعي في النهاية، ونظافته وجماله يقع على عاتقي وعاتق كل من ينتمون إليه.

الوطن إحساس وليس شيئاً مادياً ملموساً تقبض عليه بيديك.. الوطن هو المكان الذي تستطيع أن تتجول في كل بقعة فيه دون فيزا أو جواز سفر، وتقيم على أرضه دون إقامة تجددها كل فترة محدودة، وإن ضاق بك، لا يطردك حتى وإن عشت في زنازينه وسجونه.

كلنا نضيق بمصر وبحالها، تماماً مثلما يضيق بنا حكامنا ويتجاهلون متطلباتنا وأحلامنا، نلعن الوطن ونحن في أعماقنا نبكي عليه وعلى حالنا، لكننا في النهاية لا نخون ذرة تراب أو رمل منه، نتشبث بالأرض لأنها العرض والشرف، مهما قمنا بإهانتها بإهمالنا لها، لكننا لا نفرط فيها أبداً، هكذا نحن.

لكن أن نستيقظ ذات يوم لنعرف على سبيل المعلومة أنه تم التخلي عن قطعة أرض بالتراضي لدولة -مهما كانت شقيقة فهي دولة أخرى- فهذه هي الخديعة الكبرى والطعن في الظهر في أبشع صوره.

أنا من هؤلاء الذين قرروا الصمت على كل التجاوزات والاعتقالات والاختفاءات القصرية والفشل الاقتصادي والسياسي، وأمواس تلمة تشرط صدري بقسوة، فقط حتى لا يتم تقسيم مصر أو تضيع قطعة منها، وكنت لا أدعي أنني بمعزل عن التنكيل، حيث يتم التنكيل بي بالفعل، وإن كان بشكل غير مباشر، ولكنني كنت اقول فلأصمت حتى لا يضيع الوطن، فلنصبر حتى يوما يقدره الله لنهضة هذا البلد يوماً، لكن يبدو أن هذه السياسة خاطئة، لأن الصمت على كل ما سبق جعلنا نفقد جزءاً من الوطن حتى لو كان يعود تاريخياً إلى السعودية، فببساطة حدود مصر التاريخية أكبر بكثير مما هي عليه الآن، فهل من حقنا مثلاً أن نستعيد نصف ليبيا على اعتبار أنها كانت تتبع مصر ذات يوم؟ هناك اتفاقات دولية حديثة تم على أساسها ترسيم حدود البلاد وتمت الموافقة عليها دولياً، فكيف اتنازل بمحض إرادتي عن قطعة من أرضي بمثل تلك الدعاوي المغرقة في التغفيل، هل يجب علينا أن نرفع القرون ونتحول إلى حمير؟ حتى الحمار يعرف منزله جيداً، ولو تركناه دون قيادة سيتوجه إليه تلقائياً، فكيف لا توجهنا بوصلتنا إلى أرضنا مهما كانت بعيدة عن خطاوينا اليومية؟

لا ألوم الإعلاميين والصحفيين المنتفعين الذين يكرسون للتنازل عن تيران وصنافير، فهم في النهاية يقبضون المقابل الكبير جداً، ولكن ماذا عن هؤلاء الذين لا يحصلون على مليم واحد نظير تكريسهم للأمر؟ ما هي المنفعة التي تحصلون عليها؟ على الأقل كان من حقكم الاستمتاع بشواطئ الجزيرتين ذات يوم دون أن تتجشموا عناء استخراج جواز سفر وفيزا، الآن يجب أن تحصلون على تأشيرة السعودية كي تزوروها وهذا إن وافقت المملكة أصلاً! فكيف سيكون الأمر سهلاً بزيارة جزيرتين في البحر الحمر، وأنتم لا تستطيعون زيارة بيت الله إلا بمبالغ ضخمة وموافقة المملكة، وهذا بيت الله وليس بيت طال عمره!

الآن وبعد أن ضاعت صنافير وتيران بموافقة حكومتنا الموقرة.. أصبح الدور على أي قطعة أخرى؟ وهل سنستيقظ يوماً ونحن في منازلنا لا نعلم إن كنا ما زلنا نتبع مصر أم إسرائيل أم السعودية؟

لا ارغب في سماع شروح تاريخية، ولا أن أشاهد خرائط من عمق الزمن، وكل ما أعرفه الآن أننا فقدنا قطعة أرض بدون حرب ولا مفاوضات أو تحكيم دولي، ولا يوجد على لساني سوى مرارة الهزيمة في حرب لم نرفع فيها السلاح، بل سلمنا الأرض تسليما، ونحن نبتسم ونزغرد لحصولنا على الثمن الذي لم نحصل عليه في حقيقة الأمر، ولا ندري إلى أي جيوب سينتقل لينفخها أكثر مما هي منتفخة على صدورنا التي فُرغت تماماً من الهواء.

لا عزاء اليوم.. حتى الأخذ بالثأر، وإلا فأنا أحمل كفني بين يدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top