هناك حاضنة شعبية –قبلية- للجهاديين في سيناء، لولاها ما بقي جهادي واحد في شبه الجزيرة.. الدولة تسعى -منذ زمن- لمد الجسور مع شيوخ القبائل، للتعاون والتفاهم، وتجمع المعلومات بأجهزة المخابرات، لأغراض أغلبها عسكري. لكن ذلك لا يكفي على ما يبدو، فالعلاقة بين الدولة المصرية وقبائل سيناء ليست طبيعية منذ التحرير، خصوصا في الشمال، والعمليات العسكرية ليست حلا نهائيا، بل مُسكّن لبعض الوقت، سرعان ما يزول أثره، لأن الحاضنة الشعبية للجهاديين باقية، بل هي في زيادة، لأن البعض في سيناء بات يشعر بخصومة مع الدولة.
كابوس يجب أن ينتهي سريعا.. أعتقد أن جزء كبيرا من المشكلة يرجع لإهمال طال أمده لأحوال المواطنين الذين نسميهم \”بدو سيناء\”، حيث الدولة -بالنسبة للكثير منهم- ليست أكثر من \”قوات\” تقتحم البيوت، وتخطف الناس.. لا يأتي من ورائها مزايا أو خدمات.. ماذا لو أحس المواطن هناك ببعض التميز عوضا عن الإهمال؟ ماذا لو امتلك كل بدو سيناء رقما قوميا، وعقود تمليك لأراضيهم؟ ماذا لو لهم الأولوية لبناء مدارسهم، وجامعاتهم ومستشفياتهم ومؤسساتهم الخدمية والسياحية، والعمل فيها؟ بدلا من رجال الأعمال أو شركات الجيش، وبدلا من الصعايدة والبحاروة والباحثين عن الرزق في سيناء.. ماذا لو سمحت لهم الدولة بزراعة أراضيهم كما يشاءون؟ هل كانوا يزرعون \”البانجو\” بشكل غير قانونى؟ سيكون قانونيا بتشريع بسيط، حصريا في سيناء.
البعض قد يسخر أو يجن جنونه مما قلت، ويراه عبثا، لكنه أقل عبثا مما نحن فيه، خاصةً مع غياب الحلول.. ما الذي يمكن أن يحدث لو سمحت الحكومة لأبناء سيناء بزراعة البانجو في أرضيهم، وأحكمت سيطرتها على مخارج سيناء لمنع تهريبه؟ ما الذي يمكن أن يحدث غير تخفيف الضغط من على الداخلية والقضاء؟ البدو يعرفون ماذا سيحدث: ستنتعش السياحة بشكل غير مسبوق في سيناء.. ستنتشر المخيمات، وتنافس السياحة التقليدية جيدة البنية، والتي ستنشط بدورها.. ستزيد تجمعات السواح، وتكثر عروض الموسيقي في الخلاء.. سيبقى السائح هناك لوقت أطول، ينعم بجمال البحر والجبل، والغطس والتخييم، ورحلات الصيد، وليالي السهر وحفلات الرقص. يدخن الماريجوانا المصرية ذائعة الصيت، في أمان، تحت حراسة البدو والحكومة معا!
أهل سيناء سيجدون الرزق واسعا وسط هذا المناخ، ولن يسمحوا لأحد أن يسد عليهم أبواب رزقهم.. حتى لو كان من أبنائهم الجهاديين، أو ضيوف أبنائهم الجهاديين، خصوصا وأن خلافهم مع الدولة انقلب إلى حلف وولاء.. عندها ستكون الحياة أقوى من الموت، وسيكونون أعلم الناس بما يمكن أن يجذب السائح لأرضهم، وأدراهم بما يطلبه الضيف العزيز، ولا شأن لنا ولا للحكومة، ومن يعترض منا، عليه عدم الذهاب إلى هناك وحسب.. البدو والسياح هم من يقررون ما يحدث، ولا يوجد محاذير من الحكومة سوى السلاح والتهريب.
مطلوب من الحكومة –في هذه الحالة- الحد من المظاهر العسكرية والأمنية في سيناء، لنسيان الماضي البغيض. ومراقبة منافذ سيناء لمنع البانجو من دخول مصر، فهو مسموح في سيناء وحدها، وزراعته لأبناء سيناء وحدهم. لا لهواة شراء أراضي الدولة، ولا لكبار المستثمرين ولا لصغارهم.. لا وجود لهؤلاء المرتزقة في هذا السوق.. فقط الحكومة وأبناء سيناء، على أرض سيناء، فالأمر يتعلق بالأمن القومى، ولا مجال لهؤلاء المنتفعون لتحقيق مكاسب ضيقة، على الأقل في الوقت الراهن.
ما الذي يجعل بعض أبناء سيناء يبغضون الدولة، أو يوفرون الملاذ لأعدائها بعد هذا اليوم؟ سيكون لهم من المصالح مع الحكومة المصرية ما يجعلهم أحرصنا جميعا –كمصريين- على استقرار الوطن، ولو كنت ترى الفكرة التي طرحتها مجنونة أو عبثية أو لا أخلاقية، ولو استطعت تجاهل الفرق بين المكسب والخسارة، فإن واقع ما حدث وما يحدث وما سيحدث -لو بقينا على ما نحن فيه- أكثر جنونا وخرابا وعبثا ودموية ولا أخلاقية ولا إنسانية.