المكان: ميدان عبد المنعم رياض
التاريخ: ٢٨ يناير ٢٠١١
امرأة عجوز تحمل حقيبة بلاستيكية فوق رأسها بها مجموعة من الخضروات الموسمية، تعبر الميدان غير عابئة بما فيه، تجد السير نحو منزلها من أجل أن تطهو الغداء لأولادها.
ملازم أول يرتدي زي العمليات الخاصة الأسود، بدون غطاء رأس يكشف عن شعره الأشقر وزوج من العيون الخضراء يعقبهما أنف طويل وزوج من الشفاه الرفيعة التي تنم عن عصبية بالغة، بشرة بيضاء اسودت بفعل أحداث اليوم العظيم، يمسك ببندقيته يطلق النار مباشرة على رأس المرأة العجوز، تسقط أرضا أمام قدماي.. يبتسم في تشفي ويشير لآخر قبل أن يعود لموقعه.
اتوقف لحظات محاولا حفظ ملامحه جيدا، أنحني لألتقط المرأة التي تخضبت في دمائها، تغادرها الروح سريعا مثل كل بريء، أحاول بسذاجة مفرطة انقاذها وعندما أشعر بالفشل أعدها بأن آخذ ثأرها ممن قتلها.
يحملها البعض بعيدا، أكفكف دموعي وأعيد القسم على نفسي، لا أعرف اسمها ولا عنوانها ولا أي معلومات عنها، لكني أحفظ جيدا ملامح قاتلها.
تمر الأيام أنسى المرأة، تنهزم يناير وأنهزم معها، أغادر مصر، يبلغ سقف أحلامي أمنية الإفراج عن علاء عبد الفتاح وماهينور المصري وغيرهم من معتقلي الرأي، لكنها تعود مرة أخرى يوم الجلسة الإجرائية لبرلمان السيسي.
تعاتبني عن خذلانها، تسألني عن ثأرها ومثلي لا يملك سوى الدموع والنواح على ثورة فشلت، يقسم أحدهم قسم البرلمان، كنت أراه معنا في الميدان الآن يأكل من لحومنا في حمى السلطان، تبكي المرأة، يعترض آخر على ذكر ثورة يناير، ما الثورة كانت إلا يناير، وما اليوم إلا ٢٨، وأنا عاجز.
اسمحي لي أن أعتذر عن ثأرك سيدتي المجهولة، فهذه بلاد لا تحب من يحبها، هذه بلاد تحب الخونة وكل محجوب عبد الدايم والسفاحين.
وسامحيني عن عجزي، فما لثائر سوى قلب يدك الحق من الباطل ويد عاجزة بفعل الجهل والتهاون والخيانة.