أروى تاج الدين تكتب: فيلم "الخلية".. الخلطة التي يجيدها طارق العريان

\"\"

 

طارق العريان مخرج ذكي يدرك تحديدًا ماهية المكونات التي يمزجها معًا في وجبته السينمائية ويقدمها لجمهور جائع لها حتى تلاقي نجاحًا جماهيريًا وتتصدر المركز الأول في شباك موسم أفلام عيد الأضحى، حتى وإن أصاب العطب بعض هذه المكونات فهناك عناصر أخرى جيدة يمكنها أن تصنع توازنًا معها فتحقق النجاح التجاري وفي نفس الوقت لا تسئ إلى ذائقة المشاهد السينمائي. ففي ظل استهداف جهاز الشرطة في السنوات الأخيرة وتصاعد التوتر الشعبي إزاء تزايد عمليات التفجيرات وعدم قدرتهم على منع هذه العمليات قبل وقوعها، جاء فيلم الخلية ليكون دعاية مباشرة من أجل تجديد ثقة الناس في الأمن وتحقيق أمنياتهم على شاشة السينما.
فيلم \”الخلية\” هو ثاني تعاون بين العريان والسيناريست صلاح الجهيني بعد فيلم \”أولاد رزق\” الذي حقق نجاحًا جماهيريًا وفنيا أيضًا. وعلى عكس الفيلم السابق الذي لعب فيه السيناريو وأسلوب بناء الحبكة دور البطولة، يقدم لنا المخرج في هذا الفيلم مزيجًا من قصة بوليسية وواقعة حقيقية وهي مقتل النائب العام، وقصة حب وصداقة وثأر وطني يتحول إلى ثأر شخصي، مستخدمًا قصة ذات معالجة تقليدية ونهاية متوقعة حيث ينتصر بالطبع الخير على الشر في النهاية، مدعومة بمشاهد حركة نفذت بحرفية عالية، بالإضافة إلى حوار رشيق خفيف الظل أضاف مسحة فكاهية على الفيلم خففت إلى حد ما من ثقل الخطب الدينية المباشرة والقديمة التي كان يلقيها الإرهابي مروان على مسامع أتباعه من منفذي العمليات التفجيرية حول الجنة التي تنتظرهم في النهاية لما يفعلوه لنصرة الدين.
تدور أحداث الفيلم حول سيف (أحمد عز) ضابط عمليات خاصة يخرج على رأس قوة كبيرة للقبض على الخلية التي نفذت تفجير موكب النائب العام في اللقطات الأولى من الفيلم، ويقتل صديقه (أحمد صفوت) أثناء تبادل إطلاق النار كما يصاب هو أيضًا إصابات بالغة. بعد خروجه من المستشفى يحاول الأخذ بثأر صديقه من الإرهابي الفار مروان (سامر المصري)، زعيم الخلية الإرهابية، مستعينًا بصديق ثالث لهما وهو صابر (محمد ممدوح) الذي يعمل ضابطًا في جهاز أمن الدولة، الذي يمتنع عن إمداده بالمعلومات التي يريدها في البداية ثم يقرر ضمه إلى فريقه.
يسير الفيلم في خطين متوازيين، الأول يتتبع رحلة سيف وصابر في البحث عن مروان وجمع معلومات يمكنها أن تدلهم على طريقه، وكثير من المعارك والمطاردات، بالإضافة إلى قصة الحب التي تنشأ بين سيف وسلمى (أمينة خليل)، التي بالمناسبة لم يكن دورها ذا تأثير يذكر في مجرى الأحداث سوى وجود عنصر قصة الحب ليكتمل المزيج.
شخصية سيف أيضًا لا تختلف كثيرًا عن الشخصيات التي قدمها عز في أفلام سابقة، هي نفسها الشخصية المسطحة المتهورة المندفعة التي تطلق النكات والإفيهات الجنسية ويظل يمارس سخافته على البطلة حتى تقع في حبه. وتأتي شخصية (صابر) كنقيض لسيف، فهو متزن وعقلاني بما يناسب رجل أمن يعمل بجهاز حساس بالدولة، وتلعب هذه المفارقة بينهما دورا في إضفاء الفكاهة على الحوار بينهما وأسلوبهما في العمل واستجواب المشتبه بهم، لم يفسدها سوى طريقة محمد ممدوح في نطق الكلام والتي تجعل عبارات كثيرة من حواره عصية على السمع والفهم.
أما الخط الثاني فهو الجانب الأكثر ثراءً في الفيلم، فهناك محاولة جيدة في تناول شخصية الإرهابي والحياة المحيطة به وإعطائها أبعادا أعمق تختلف عن الأسلوب الذي تم تناولها به في أفلام أخرى. فمروان -على خلاف الأسلوب النمطي لشخصة الإرهابي الذي تسيره قناعة أن ما يفعله في خدمة الدين- يقدمه المخرج كرجل مرتزق، يمارس عمله من أجل المال ويقوم بدوره في غسيل مخ أتباعه من خلال الخطب الدينية التي يبين لهم فيها جزاء المجاهدين في سبيل الله. ومن ناحية أخرى هو أيضًا إنسان له حياة وزوجة يحبها ويدرك مخاطر ما يقوم به، ويخوض معركة داخلية ضد مخاوفه من الوقوع في يد الشرطة أو أن يغدر به مساعده أو أن يتخلى عنه من يدفعون له فيقرر في لحظة ما الهرب من كل هذا. ومع ذلك حتى وإن كان مروان هو أكثر شخصيات الفيلم تركيبًا وصقلًا –فضلًا عن أن سامر المصري أفضل الممثلين أداءً أيضًا– يقع في فخ التخبط والتشوش، فهو لا يتورع عن قتل الأبرياء والأطفال ومع ذلك يعيد الطفل الذي قام بخطفه إلى أمه لأنه (رجل يلتزم بكلمته).
وتأتي على نقيضه شخصية زوجته (ريهام عبد الغفور) فهي فتاة تحولت من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، كانت تنتمي إلى طبقة راقية وتعمل موديل إعلانات تهوى السهر وشرب الخمر كما جاء على لسان أمها (سلوى محمد علي) أثناء حديثها معها قبل أن تتحول إلى زوجة إرهابي، وهي مقتنعة تمام الاقتناع أن ما تفعله هو جهاد في سبيل الله، وحينما يصارحها مروان بمخاوفه تخبره أنها تخشى عليه من زعزعة إيمانه، وتسارع في تفجير نفسها حينما تعلم أن الشرطة تحاصرهم.
استطاع هذا الأسلوب غير النمطي الذي تم به تناول الخط الدرامي الخاص بأفراد الخلية. خلق التوازن إلى حد ما مع تقليدية القصة ونمطية الحبكة وسطحية شخصيات الجانب الآخر، كما تمكنت كوميديا الحوار والموقف خاصة في تتابع مشاهد مطاردة سيف وصابر لأحد المجرمين الفارين في الأزقة وعلى الطريق السريع من كسر كلاشيهات الحوار عن الوطنية والجنة التي وعد بها المجاهدون، ليضعنا هذا التوازن أمام فيلم حركة خفيف الظل ممتع رغم ما به من مثالب.

 

\"\"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top