أحمد ندا يكتب: شيماء اليوم السابع.. أبعد من سؤال سخيف

لأقل من عام تقريبا عملت في قسم \”الديسك\” بإحدى الصحف اليومية، ولمن لا يعرف فهي مهنة في الصحافة حكر على مصر وحدها، وغير موجودة في أي مؤسسة صحفية بأي مكان بالعالم، فكرتها ببساطة \”تعمل من الفسيخ شربات\”.. يأتي التحقيق أو التقرير أو الموضوع الصحفي للقسم ليحوله الديسك مان إلى مادة قابلة للاستخدام الآدمي.

هذه الفترة من العمل في هذه المهمة السخيفة جعلتني أعرف شيئا مهما: الصحفي في مصر –في الأغلب- هو رجل بريد، مهمته الأساسية إيصال المعلومة والاتصال بالمصدر، أما الصياغة والعناوين فهي مهمة رجل الديسك، يدخل المكنة يطلع قماش. دائما كنت أتندر وأقول إن مهمتي في قسم الديسك هي ترجمة الفارسي الذي يصلني إلى كلام مكتوب باللغة العربية، وأحيانا كنت أفشل في ذلك.

بعض الأسماء كانت عقابا لمن يصل إلى العمل متأخرا، معنى أن تدسّك مواضيعه يعني أن تقضي نصف نهار في محاولة فهم ما يكتب، ثم النصف الآخر في إعادة كتابة ما فهمته، ولأنني كنت دائم التأخر، فكانت مواضيع هؤلاء من نصيبي دائما.

حتى قررت ذات يوم أن أكسر دائرة الجحيم هذه، وأكرس من وقتي بضع ساعات لتعليم أسوأهم بعض قواعد اللغة العربية للصف الرابع الابتدائي، وفي فكري أن الوقت الذي أضيعه في إرشاده لبعض القواعد سيريحني مستقبلا، وهو ما قوبل من هذا الصحفي بسؤال: \”مانا لو باكتب كويس، انت لزمتك إيه؟\”، هكذا فهمت أن المشكلة ليست فقط في مستوى اللغة، لكن في فهم قطاع من الصحفيين عن ماهية الصحافة.

………………

مواقع التواصل الاجتماعي لا حديث لها في اليومين الماضيين إلا عن سؤال الصحفية شيماء عبد المنعم لـ ديكابريو: ما هو شعورك بعد فوزك بالأوسكار؟ سخرية على نطاق واسع، ثقيلة ومركزة في لكنتها وصياغة سؤالها وتفاهته.

وعلى ما في كل السخرية والانتقادات من وجاهة واعتراضات، يجب النظر إليها بعين الاعتبار، إلا أنها يجب أن تفتح نقاشا أوسع عن الصحافة في مصر، وما وصلت إليه، فالمشكلة ليست مشكلة شيماء وحدها، التي كشفت فداحة الوضع، لكنها أزمة كبيرة حول المهنة.

مؤسسة اليوم السابع الكبيرة الذي يتربع موقعها على عرش عدد الزيارات في مصر، أنفقت آلاف الجنيهات لإرسال صحفية التقطت عشرات صور السيلفي، لتتحول موضوعاتها الصحفية على الموقع إلى مايشبه صفحتها الشخصية على فيسبوك. ثم تغطياتها التي لم تكن تحتاج تكبد عناء السفر، كتبت شيماء عن مارك رايلانس ولم يلفت نظرها أكثر من وضعه للجائزة على الأرض وحمل زجاجة خمر! وهو ما كان يمكن أن تصل إليه بفيديو على يوتيوب! أو سؤالها لديكابريو وبري لارسون وأليخاندرو إيناريتو عن شعورهم بعد الفوز بالجائزة -\”لا ديكابريو وحده\” تحت مسمى انفراد- وكلها كانت مواضيع يمكن أن تقدمها وهي جالسة على مكتبها في التكييف في مقر اليوم السابع دون سفر ومصاريف.

شيماء مثلها مثل معظم الصحفيين في مصر، كل مهمة الصحفي منهم، الحصول على \”كلام\” من المصدر يحشو به الصفحات اليومية للبوابة الإلكترونية، غير أن الديسك –والإدارة- أكثر تساهلا في معاييرهم لجودة العمل الصحفي، أو لنقل يحملون معايير مختلفة، تعتمد على الكم لا الكيف، دون أية قيمة مضافة للمهنة.

المشكلة ليست مشكلة شيماء، بل المؤسسة الراعية لها ولهذه السقطة، وأقول سقطة لا لاعتبارات سمعة مصر وغيرها من هذا الهراء، لكن لأنها تشكف عن حجم الأزمة التي تعيشها الصحافة في مصر، وفي القلب منها اليوم السابع كمؤسسة مفتقدة للحد الأدنى من معايير الجودة الصحفية، فلا اللغة منضبطة ولا الأخبار تخضع للتدقيق، ناهيك عن انحيازها لخطاب سياسي لا يقل تفاهة عن منطقها في تسيير العمل الصحفي.

ليس من الغريب إذن أن يخرج رئيس تحرير الجريدة والموقع ومدير تحريرها ورئيسة قسم الفن ليدافعوا عن شيماء أمام هجمات الحاقدين الذين لم يروا اجتهادها، ولا أدري بالظبط ما هو الاجتهاد في التجول بهوليوود والتقاط السيلفي، حتى إذا أتيحت لها الفرصة أن تطرح سؤالا لـ دي كابريو، لجأت إلى مخزون خبرتها المصري، ليخرج السؤال التافه.

كل من حصر المشكلة في لكنتها أو ارتباكها في رده على منتقديها، يتعامل مع مشكلة بمنطق ملتف ومراوغ، لأن الغالبية العظمى ممن انتقدوها سخطوا من سؤالها أولا، وفخرها الوطني الفارغ كونها أول صحفية مصرية تغطي حفلات الأوسكار –وهي المعلومة غير الصحيحة- شيماء مثلها مثل مؤسستها ومثل مصر المهووسة بالريادة المتوهمة، وربما كانت تنتظر من دي كابريو أن يرد عليها \”تحيا مصر تحيا مصر\”!

لم تكلف شيماء نفسها تحضير سؤال للمؤتمر الصحفي، وربما لم تتخيل أن يقع عليها الاختيار لتسأل، فاعتمد على الحيلة المعتادة للصحفيين عند سؤال الفنانين \”إيه شعورك لما كسبت كذا أو قدمت العمل الفلاني؟\” فهل كانت تتخيل أن يرد \”الحمد لله بفضل ربنا وجهد زمايلي وصلت للنجاح ده كله\”.

من الطبيعي إذن أن تقف تدافع عنها مؤسسة اليوم السابع، وتنشر موضوعات لشخصيات عامة \”يدعمون\” شيماء في اللاشيء الذي قدمته، لأنه ببساطة هذا هو منطق المؤسسة، ولا يتوقع أحد أن تقدم مستوى أفضل من هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top