أحمد مدحت يكتب: حكايات عن الغشاء المقدس

لم أتخيل يوما أن تجري هذه الحكايات حقا، على أرض الواقع، حتى رمى بها القدر في طريقي؛ لأرى، وأعرف.. كنت أظنها جديرة باللقطات الدرامية فقط؛ لتظل حبيسة المشاهد الروائية والسينمائية، لكن ما نحياه الآن يقول إن دراما الواقع قد تفوَّقت على الدراما الفنيَّة.

أؤمن تماما أن القدر يدفع بالحكايات في طريق من يستطيع أن يرويها؛ لهذا أحكي.

ها أنا أروي، وها أنا أرى، وأدرك.. للمعرفة ثمن، لم أتخيله ثقيلا كما أجده الآن.

الحكاية الأولى: للاكتئاب ثمن فادح

اكتئبتْ الفتاة.. تعددت الأسباب، ما بين اضطراب أحوال البلاد، ومشاكل عديدة تعرضت لها في فترة قصيرة، كرات ثلجية صغيرة تراكمت فوق بعضها البعض؛ فكان جبل الكآبة إياه، وقد جثم على روحها بكامل ثقله؛ فأجهدها، وصرخت روحها تطلب المؤازرة.

ومَن غير أمها يمكنه أن يحتضنها ويواسيها وقت الشدة؟

ذهبت الفتاة، بفطرة سليمة ونِيّة حسنة، تطلب من أمها أن تحتضنها.. هكذا نطقتها: \”ماما.. عاوزاكي تحضنيني والنبي.. أنا تعبانة.. خُديني في حضنك\”.

في اليوم التالي، أخذتها أمها إلى طبيبة النساء.

كانت الأم صاحبة ذهن يقظ، وعقلية درامية – لم تتوقعها الفتاة في أمها- وهي التي عملت على تحليل طلب البنت، وتوصلت إلى استنتاج لا شك فيه؛ مفاده أن البنت لابد قد وقعت في الخطيئة، وسلَّمت جسدها في الحرام لأحد الأوغاد.

كانت الفتاة متبلدة تماما، وقد تمددت على سرير الفحص، تفتح ساقيها للطبيبة، تتفحصها؛ لتخرج إلى الجهة الأخرى من الستارة، تخبر أمها أن ابنتها لم ترتكب الحرام.

يومها، أدركت الفتاة أن \”الأم\” صارت مختلفة تماما عما كانوا يكتبونه عنها في الكتب المدرسية.

الحكاية الثانية: الحُب مقابل الحياة

اكتشف الأهل، ذوي الطبيعة المتحفظة، أن ابنتهم على علاقة بأحد الرجال.. علاقة لا تتجاوز بعض الأحاديث عبر الإنترنت والهاتف.

تشاجروا معاها، وبَّخوها، ضربوها.

أي علاقة بين شاب وفتاة لابد أن تُتَرجم للجنس.. كل شاب هو وغدٌ رجيم، يحترف سكب الكلام المعسول في أذن الفتاة؛ حتى ترضخ لطلباته، وتسقط فريسة لإلحاحه ووعوده، ويُفقِدها أعز ما تملك، ويهرب.. هكذا يفكر أهل هذه الفتاة، وبناء عليه؛ سحبتها أمها، رغما عنها، لأقرب طبيبة نساء. وهناك نامت على سرير الفحص، تفتح ساقيها؛ ليفحصوها، دون أن ينتبه أحدهم إلى تلك الدموع التي تسيل على وجهها، وذاك الأنين المتصاعد من بين شفتيها.

خرجت الطبيبة؛ لتخبر الأم أن الابنة مُصانة، لم تخن الأمانة، لكن، هل تظهر كسور الروح في الكشف الطبي؟

الطبيبة لم تخبر أهلها بكسر روح ابنتهم، الذي لا تشفيه الأدوية، لكن ما حدث بعدها جعلهم يدركون ذلك جيدا، بعد أن وجدوا ابنتهم منتحرة، بعد عودتهم من إجراء الكشف بأيام، دون رسائل وداع.

الحكاية الثالثة: يهون الألم فداءا للغشاء

عانت الفتاة آلاما مبّرحة؛ دفعتها إلى أن تتوسل لأمها كي تصطحبها للطبيب.. بعد أن فحصها الطبيب، أخبرهم أن الفتاة تعاني من شيء نادر، وهو عيب خلقي في غشاء البكارة، يحبس دم الدورة الشهرية، ويحول دون خروجه، وأن علاج هذه الحالة هو عملية جراحية صغيرة، يتم ثقب الغشاء خلالها بشكل جراحي، وحينها، سيزول الخطر عن الفتاة، وتتعافى من آلامها.

لم يقتنع الأهل طبعا.. وما فائدة ابنتهم دون غشاء البكارة؟ وهل الغشاء المثقوب كالغشاء السليم؟ وإذا دخل عليها زوجها ووجدها ليست كالفتاة العادية، هل يرضى بها حينها دون فضائح واتهامات؟

حاول أهل العلم أن يقنعوهم أن العملية بسيطة، لن تؤثر على مستقبل الفتاة بعد زواجها، لكن الجهل والخوف وقفا كخصم عنيد في مقابل شفاء الابنة.

أخبرها أهلها، بمنتهى الصراحة، أن تنسى موضوع العملية هذا تماما، وتجد لنفسها علاجا، دون أن يُمَس الغشاء المقدس.

خاتمة لابد منها

ولماذا نروي؟

نروي؛ لأن هذه الحكايات تستحق أن تُروَى؛ لكي يرى الغافل، ويستفيق من يحاول مواجهة الحقيقة الساطعة كالشمس وكأنه كفيف، لا يدرك حقيقة ما وصلنا إليه من واقع.. نحكي؛ لأن ما نملكه الآن هو أن ندوِّن آلامنا، حتى يأتي من يطالعها بشجاعة تماثل ما واجهه أبطالها من ظلم.. نروي؛ كي يكف من يحاولون تزوير الواقع وتجميله بالزيف.

هذا هو واقعنا؛ دون تجميل أو محاولة لجعله أسوأ.. ها هي صنيعة أيدينا؛ فواجهوها؛ فقد نستطيع تغييرها، يوما ما، عندما يتغير ما يملأ العقول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top