أحمد مدحت يكتب: المزايدون على الرسول في إيمانه

كنتُ مراهقا في الثالثة عشرة من عمري حينئذ.. جلست في المسجد الصغير الذي كان مقصدنا، ونحن مراهقون، في المنطقة الشعبية التي أسكن بها، على الأرض المفروشة بالسجاد الخشن، سجاد غريب، له ملمس غريب، ونقوش أكثر غرابة، أتذكر منها مشهد لتنين صغير ينفث النار في وجه مجموعة من الرجال، الذين يقفون في مواجهته رافعين الحراب والسيوف.. ارتبط ملمس السجاد العجيب ونقوشه في ذهني بحديث الشيخ السلفي الذي كان يُدِّرس لنا.. لم يكن رجلا مكفهر الوجه كما تصور السينما السلفيين، كان كثير الضحك، بشوشا، لكن بشاشته هذه لم تمنعه عن ترديد نفس المحتوى المتشدد الذي يردده أقرانه في نفس التيار.

يومها، في معرض حديثه عن السيرة النُبوية، ذكر حكاية \”البغيّ\” التي دخلت الجنة؛ لأنها خلعت حذاءها، وملأته بالماء ليشرب منه كلب جلس على قارعة الطريق يلهث من العطش.. روى الحكاية، وأتبعها بتفسير من عنده يقول إن هذه الحكاية بالتأكيد ليست مقياسا لشيء، وأننا يجب ألا نأخذها كمقياس لكيف تجري الأمور في الحسابات الربانية.

كان الرجل يتحدث بيقين شديد عن الحسابات الربانية، والثواب والعقاب والجنة والنار، حتى ظننته قد اطلع على الغيب، أو أن لديه القدرة على شق الصدور.. خرجت من الدرس يومها وأنا أعلم أنني لن أعود له ثانية؛ لن أضيع عمري في الاستماع لرجل لا تعرف الرحمة لقلبه سبيلا، حتى لو كانت الابتسامة تغطي وجهه.

عندما أعدت نشر تلك الأقصوصة على صفحتي على الفيسبوك منذ فترة قصيرة، جاءتني التعليقات في معظمها غريب، أغلبها مضحك من فرط انعدام منطقيته، حتى إن أحدهم سألني بلهجة مرتابة: أنت متأكد إن \”بغيَّ\” يعني عاهرة؟ نفس المعنى يعني؟!

تفجعني القسوة، خاصة المجانية منها، التي لا يجني صاحبها من ورائها مكسبا أو متعة مادية لنفسه.. يتعامل البعض مع الرحمة الإلهية كأنها كعكة يريدونها لأنفسهم فقط، لمن يشبهونهم هم فقط.. كلما ذاع صيت \”داعش\”، وانتشرت الفيديوهات التي توثق عنفها المجنون، اكتشفت في المحيطين بي من هم أكثر قسوة ممن يذبحون البشر ويصرخون \”الله أكبر\” بينما الدماء تغطي ملابسهم.

ماتت الممثلة الشابة \”ميرنا المهندس\” منذ أيام.. لم أكن أحب تمثيلها.. هذه هي الحقيقة ببساطة! لم أجد يوما فيها ممثلة جيدة، لم أحبها أو أكرهها، كنت أستمع لقصة مرضها وأردد \”ربنا يشفيها\”، ثم أنسى الأمر تماما.. عندما قرأت خبر موتها أحسست بحزن عابر، وتذكرت كل من ودعنا من أصدقائنا.. أكره الموت بشكل عام، ويفجعني موت الشباب خاصة.. دخلت لأقرأ التعليقات على خبر وفاتها في إحدى صفحات المواقع الإخبارية المشهورة، ويا ليتني ما فعلت.. من الصعب ان تطلع على كل هذه الكراهية دون أن يصيب البؤس روحك.. معظم من قاموا بالتعليق يسخرون من الفتاة الميتة؛ لأنها لم تكن محجبة، والبعض يتهمها بالنفاق لأنها ارتدت الحجاب ثم خلعته، بينما يردد آخر أن جهنم هي مصير مثيلاتها، بينما تساءلت إحداهن باشمئزاز: ودي عملت إيه في حياتها يعني عشان تقرفونا بخبر موتها كده؟! شوفوا لنا وصفة طبيخ أحلى.

أغلقتُ الكومبيوتر وأنا أفكر في الحال التي وصلنا إليها.. نعيش في مجتمعات امتلأت بالدواعش، دواعش يشبهوننا ويتحدثون بلغتنا ويلبسون ما نلبس، لا يمكن تمييزهم إلا عندما تنطق ألسنتهم بما كمن في صدورهم من كراهية.

التنين الصغير ينفث النار في وجه الرجال، والشيخ يؤكد لنا أن رحمة الله ليست سبيلا مفتوحا هكذا، والبعض يجد في الموت فرصة للشماتة والتذكرة الدينية، ويؤكدون أن الجنة لهم وحدهم، دون سواهم.

بعض من يحيون بيننا الآن، لو كانوا في المسجد بصحبة الرسول، عندما دخل عليه أعرابي، ووقف يبول في جانب المسجد، وهو لا يدرك قدسية المكان، لكانوا هاجموا الرسول وشككوا في قوة إيمانه، إذا ما أمرهم، كما حدث بالفعل، بترك الأعرابي يكمل ما يفعل، وألا يفجعوه أو يؤذوه؛ كي لا يحتبس بوله ويتضرر جسديا.. من يظنون انفسهم وكلاء الله على الأرض، ملاك الحقيقة المطلقة، من الممكن أن يفعلوا أي شيء، حتى لو كان المزايدة على نبي الدعوة نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top