يمسك صديقنا الطبيب الشاب كوب الشاي بكلتا يديه، يضغط عليه بقوة، يعتصره بين أصابعه، كأنه يطلب الدفء، أو ليستجمع قوته وتماسكه النفسي؛ ليروي لنا ما يعتمل في ذهنه من ذكريات الأيام التي قضاها طبيبا في استقبال إحدى المستشفيات الحكومية، خلال أدائه لسنة \”الامتياز\”.
\”كل ليلة كان لازم يجيلنا حالة عجيبة ليها علاقة بالجنس والجواز.. في مرة جاتلنا بنت، كانت ليلة دخلتها في نفس الليلة، وكان عندها تهتك حاد في المهبل.. جوزها ماكنش قادر يعمل حاجة معاها؛ من كُتر المخدرات والخمرة اللي شربها ليلتها.. دخل رقبة إزازة مكسورة في عضوها التناسلي؛ عشان يوري شرفها للناس، زي ما العادات بتقول.. والبنت طبعا أغمى عليها من الألم، وجابوها المستشفى وهي غرقانة في دمها، وعندها نزيف حاد.. تقريبا بتموت\”.
يرتشف صديقنا ببطء من الكوب، وهو يعدل من وضع نظاراته الطبية على قصبة أنفه، ويكمل بصوت متهدج من الانفعال: \”لحقناها بمعجزة، وبعد كده احتاجت عملية ترقيع للمهبل.. كانت زي الفرخة المدبوحة\”
أسرح بتفكيري، وأرفع كوب الشاي إلى فمي، وأنا أتساءل بصوت لا يسمعه أحد سواي: كم من فتاة أخرى تنتظر الذبح.. لعلهن كثيرات!
جهل بالغريزة
مع الوقت، وكلما تقدم بك العمر كمصريَّ، تبدأ في إدراك الحقيقة المُروِّعة، وخاصة عندما تدلف من بوابة المراهقة إلى عالم الشباب: أنتَ/ أنتِ جاهل، بشكل يقارب الكلية، بالجنس وشئونه، مع أنه هو الكيفية التي أتيت بها، أتينا بها كلنا في الواقع، إلى هذه الحياة.
وكيف لك أن تحيا جاهلًا بغريزة متأصلة فيك؟ كيف تمارسها، عندما تتاح لكَ الفرصة لذلك؟
حينها، تمارس هذه الغريزة كغيرك من الحيوانات، بدافع من فطرتك وتلك الغربة المتأججة بداخلك، فقط، لا أكثر، كأي كلب بلدي يمرح في زقاق!
ميَّز الله الإنسان بالعقل، والعلم، والقدرة على مراكمة المعرفة، وتطويرها، وتداولها، حينما يتخلى الإنسان عما ميَّزه الله به عن غيره من الحيوانات، يصبح كائنًا مُشوَّهًا، مسخًا، لا يرتقى حتى لسلم الحيوانات الأعجمية في تراتبية التطوُّر.
وماذا قدموا لنا، في طفولتنا؛ كي نتسلح بثقافة جنسية تعيننا على المحافظة على آدميتنا عندما نكبر؟
أنا جيت إزاي؟
أعرف ما تبادر لذهنك الآن.. تلك الصفعة، أو الصرخة والسباب فقط، إذا كنت سعيد الحظ قليلا، الذي تلقيتهم وأنت طفل صغير، بعدما نطقت بهذا السؤال المنطقي الذي تبادر لذهنك حينها: \”أنا جيت الدنيا إزاي يا بابا/ ماما؟\”
صراخ، نفور، اتهامات بقلة الأدب، والتطفُّل.. تحذير شديد اللهجة من العودة لتلك الأسئلة قليلة الأدب مرة أخرى.
إذا كنت من سعداء الحظ، الذين رزقهم الله بأب وأم يتفهمون تلك الأسئلة الطفولية، ولم ينهروك أو يوبخوك، عندما نطقت بها، وأجابوك بهدوء، بإجابات مناسبة لسنك وتطورك العقلي في حينها.. فصدقني، أنت تستحق التهنئة!
لكن.. إذا كانت هذه الأفعال من قبيل\”قلة الأدب\”؛ فلماذا فعلتماها سويا يا بابا وماما؟
طيب، والمدرسة؟ ماذا قدمت لنا المدرسة كي نتثقف جنسيا؟
\”حودة\” يمتلك الإجابات الصعبة
عندما كنت في الصف الأول الإعدادي، وبعدما دخل علينا الفصل وتم تقديمه إلينا على أنه طبيب، قدم إلينا من الوزارة ليحدثنا قليلا، وقف أمامنا ذلك الطبيب، أصلع، بشارب غليظ، يمسح العرق المنساب لامعا يغطي صلعته، وأخد يحدثنا بصوت ملول، كأنه يؤدي مهمة رتيبة اعتادها، عن التغيرات التي ستبدأ في الظهور في أجسادنا، وأننا يجب ان نعتني بنظافة أجسادنا جيدا، وأن نزيل بانتظام شعر الإبطين والعانة، ثم أضاف وهو يغمز: \”وبلاش الحاجات اللي بتعملوها في الحمام دي.. بلاش يا واد! بتضيع الصحة\”.
ثم انطلق في ضحكة طويلة، بينما أنا أجلس على طرف الدكة الخشبية لا أفهم ما يقصد.. يبحث عقلي عن إجابات لا أملكها، لكن \”حودة\” كان يمتلك كافة الإجابات.
لا تعرف \”حودة\”؟ كيف؟!
هو الفتى الأضخم جسدا بيننا في ذلك الوقت.. شاربه مكتمل فوق شفته العليا، كأنه يفوقنا عمرا بسنوات، رغم سنوات عمره التي لا تزيد عنا في الواقع.. هيئته هذه أكسبته هيبة مميزة في الفصل، بل في الصف الدراسي كله. بالإضافة للمظهر المتميز، حودة كان مُروِّج الأفلام الجنسية الأول في المدرسة، في ذلك الحين الذي انفجرت فيه ظاهرة \”الموبايلات الصيني\” ذات الكاميرا، رخيصة الثمن، والتي كان أغلبنا يملكها حينها.
حودة يمتلك الأفلام.. يوزعها بالبلوتوث على من يطلب.. حودة لا يبخل على أحد بمعرفته، وحكاياته ومغامراته الجنسية التي لا تنضب.. كنا نعرف أن معظمها مختلق، ومع ذلك، كنا مستعدين لأن نستمع لها مبهورين.
وقد نتج عن هذا أن صار معظمنا، بعد أن شارفنا جميعا البلوغ في الصف الثاني الإعدادي، من مدمني مشاهدة الأفلام الجنسية، وبالضرورة وكنتيجة منطقية، من مدمني ممارسة العادة السرية.
وعرفنا جميعا ذلك الفعل الخفي الذي أشار له الطبيب الأصلع ضاحكا، منذ ما يقارب العام.. عرفناه جيدا؛ لأننا أصبحنا، في أغلبيتنا الساحقة، من ممارسيه ومدمنيه.
روِّضوا الوحش بالمعرفة.. قبل أن يلتهمنا جميعًا
المتابع للشأن المجتمعي المصري، لابد أن يرصد حالة هيستيريا الجنس التي نحياها هنا.. الإحصائيات تقول أننا نحقق أعلى نسبة بحث عن كلمة \”الجنس\” على متصفح البحث Google، وهو ذات المجتمع المتدين بطبعه، الذي مايزال جزء كبير منه يعرض إناث عائلاته للختان حفاظا على عفتهن، وهي ذات الثقافة المجتمعية التي أنتجت مشهدا مفجعا للعالم كله، عندما انقض ذكوره على فتاة، في ميدان التحرير، واغتصبوها على الملأ، أمام الجميع، ولم تكن تلك واقعة وحيدة، بل تكررت عدة مرات؛ حتى صار التحذير من الاغتصاب الكامل طقسا عاديا بالنسبة للفتيات المشاركات في أي حشد سياسي في ميدان التحرير!
الإنسان عدو ما يجهل
عداوة تمتزج بشغف اكتشاف كل مجهول، وكل مجهول ممنوع، وكل ممنوع مرغوب، وكلما زاد المنع، زادت الرغبة حتى تبلغ حد الهوس، والمصريون جاهلون بالجنس في معظمهم، وما هو أسوأ من الجهل، هي المعرفة المُشوَّهة التي يعانيها معظمنا.
يومًا ما، أطلق أستاذنا \”يوسف إدريس\” صيحته الشهيرة، في مقال كتبه في \”الأهرام\” بعنوان: \”أهمية أن نتثقف يا ناس!\”، يشكو من انعدام ثقافة المتجمع وتدهورها، مما ينذر بتفكك وتحلل وفوضى قريبة ستعم الجميع.
الآن.. يجب أن نصرخ جميعا في أنفسنا، قبل أن يعتلي بعضنا البعض في الشوارع، كالنعاج.. قبل أن تبلغ الهيستيريا مداها.. دعونا نصرخ: أهمية أن نتثقف جنسيا يا ناس!