أحمد محمد مصطفى يكتب: نكتة

تنبيه: هذا المقال ساخر جدا جدا، فإن كنت من أولئك الذين \”بيتقمصوا\” من السخرية فـ \”ياللا ياض من هنا\”  

سلام على الساخرين في أنحاء المعمورة، من حملوا سلاح السخرية في مواجهة عبث العالم وجنونه القبيح الدموي.

اشعر دائما بأن هناك مغالطة تاريخية في تقسيم ابناء هذا العالم على مدار التاريخ إلى أجيال متعاقبة، لا ليست عنصرية، إنها كغيرها من الأشياء لا تنطبق على أبناء هذا الزمان كأشياء أخرى كثيرة، مثل ماذا؟ سؤال جيد، لكنها أشياء كثيرة يا صديقي ولا يوجد متسع من الوقت كي أحدثك عنها، لكن دعنا نأخذ عربات الكبدة كمثال.. هممم.. أظنه مثال غير موفق على كل الأحوال.. ما علينا.

نعم تذكرت، كعادتي انسى دائما أي شئ وكل شئ، كتلك المرة التي نسيت فيها نظارتي لأجدها بعد عناء بحث دام لنصف ساعة على وجهي.. نظارة حمقاء.. ماذا؟ اها؟ خرجت عن الموضوع مرة أخرى، اعتذر منك يا صديقي، ربما لو تتبعت الكلام لوجدت بين أسطره ما أريد قوله بالتحديد.. لا عليك.. اؤمن بشدة أننا مواليد التعسينيات التعساء ومواليد الثمانينيات الأقل تعاسة بقليل، لا يجمعنا جيل واحد عكس الظاهر.. نعم لا تحتاج أن ترتدي نظارة المفتش كورمبو لتكتشف ذلك، فقط انظر بعينيك، واستمع لعدد قليل من تلك المواليد، لتكتشف الفروقات الواضحة، وأنا اتحدث تحديدا عن أبناء جيلي، جيلي الذي لا ادري تحديدا كيف اضعه تحت وصف مناسب.. هممم ربما يرجع ذلك إلى أننا لم نعتد القولبة، لم نعتد أن نضع البشر وفق كلاشيهات، بمجرد أن ننطق حروفها يفهم الآخر عن من نتكلم.

أنا وهم، الساخرون الآن.. القادرون على وضع أسوأ وأبشع مصائبهم في إطار ساخر يضحكنا، ربما هذا هو سلاحنا الوحيد، لكن دعنا نلقي نظرة للخلف، علنا نقتفي أثر ما وراء سخريتنا.

عندما كنت صغيرا، لم اكن استطيع أن أصوغ جملة واحدة أمام أي شخص عدا أبي وأمي، عند جلوسي أيا كان من حولي، أظل صامتا دائما، لم أكن اعرف كيف اتكلم، ربما كنت اخاف من أن اتحدث.. لا استطيع الجزم.. هل هذا لخوفي منهم أم أني كرهتهم، أم هو خجل، أم ماذا! ولكني في كل الأحوال لم اكن استطيع الكلام.

\”إحنا شعب ابن نكتة\”

\”- بابا عم كمال بيتصل بيك.

– قوله إني مش موجود في البيت.\”

ربما فهمت ما اريد قوله من الكلمات بين الأقواس، على كل حال لماذا يجب أن نصدق الجملة الأولى، بينما الجملة الثانية تطعنها في مقتل، ادركنا تماما أننا ربينا كذبا، مثاليات فارغة وشعارات رنانة فارغة المحتوى تتحطم عند أول واتفهه موقف في أرض الواقع، ربما أدركنا ذلك مبكرا، فكفرنا بالتربية التي ربينا عليها، فعندها فقط أدركنا أن إحنا شعب ابن نكتة كاذبة رنانة.. أنتم أضعف من أن تتحملوا النكتة التي تدعون دائما كما الكثير من الأشياء أنكم تتربعون عرشها.

اعتدنا السخرية، ولم نخطط لها، لم نتمن في الأصل اقتنائها، لم نختر السخرية، بل هي التي اختارتنا، لم نتمن يوما أن نمتكلها.. هي امتلكتنا، ولم ندع أننا نتربع على عرشها، بل أنتم من زعمتم ذلك، فصارت سخريتنا كرصاصكم، أصبحت المعادلة الآن غير متكافئة بالمرة، رصاصكم في صدورنا، ونكاتنا في صدوركم، وللعجب نراكم تموتون بسخريتنا، ونرانا نحيا برصاصكم.

………………..

ما ألذ تلك القهوة.. أنا احب القهوة، غالبا أكثر مما أحبك أنت.. نعم أنت.. لماذا؟ سؤال جيد.. انظر معي إلى الفنجان، نعم بداخله.. احتملني قليلا، فأنا لست مجنونا، أو ربما أنا كذلك.. ما علينا.. القهوة صادقة.. سوداء ساخرة مثلي تماما، مثل جيلي تماما.. لا اعذرني، لن استطرد في شرح كيف للقهوة أن تكون ساخرة، بالتأكيد إذا كنت من أبناء جيلي، سوف تفهم ذلك دونما سرد.. آه نسيت سؤالك، لماذا نسخر بالأساس؟ سؤال جيد.. دعني أخبرك:

 

الخمس سنوات الأخيرة، كانت عشر.. ربما عشرين بالنسبة لبعضنا، المبدأ واحد يا صديقي.. رأينا الكثير من الأشياء التي لم يرها من كانوا قبلنا، فصرنا محملين بكم هائل من…. لا ادري من ماذا، ربما يشعر به أبناء جيلي.. تصيبنا الدهشة في كل مرة مصحوبة بألم هائل يتعدى حدود الآلام النفسية، لينعكس على أجسادنا، نمسكها علنا.. نخفف من تلك الآلام بالضغط، لكننا نتألم أكثر، لأننا إما وضعنا يدنا على خرطوشة استقرت في مكان ما، أو دم صديق من أصدقائنا فارقنا وترك أثر دمه على أجسادنا للأبد.. لم نعد نحتمل أكثر من ذلك، هدمنا كل القواعد، اخترعنا قواعدنا الخاصة، وهدمناها أيضا، وجدنا أنفسنا على حين غرة نسخر من كل الأشياء المأساوية منها والسعيدة، وجدنا أنفسنا نتخذها درعا يحمي ما تبقى لنا من قلب ينبض بالورد.. خبئنا الأمل وراء \”قله أدبنا، وهزارنا القبيح\”، الذي لا يتعدى في قبحه و\”أباحته\” حقيقتكم.

\”كلهم كدابين، وعارفين إنهم كدابين، وعارفين إننا عارفين إنهم كدابين، وبرضه مستمرين في الكدب.. وبيلاقوا اللى بيصقف لهم\”

هل ترى السخرية في تلك الكلمات؟… لا… حسنا، هذه الكلمات قالها أحمد زكي في فيلم \”الحب فوق هضبه الهرم\” سنة 89، منذ ما يقرب من 27 سنة.. \”سبعة وعشرين سنة يا مؤمن.. تخيل بقالنا 27 سنة وأكتر عارفين الكلام ده، وبرضه الناس بتصقف، الموضوع مضحك فشخ يعني\”.. ها.. هل اكتشفت ما الساخر في الأمر؟ بالتأكيد اكتشفته.

جاهين قال:

أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جرس
جلجلت به صحيوا الخدم والحرس
انا المهرج. . . قمتوا ليه؟ خفتوا ليه؟ 
لا ف إيدى سيف ولا تحت مني فرس.

أهلا بك بيننا.. أصحاب القلوب الشخشيخة التي تحولت إلى جرس.. أهلا بك مجددا في زمن المهرجين.

– ربما تتساءل الآن: أين السخرية في هذا المقال؟ وكيف له أن يصبح مقالا ساخرا جدا جدا كما قلت أعلاه؟

إذا تساءلت، فبالتأكيد أنت لست من المهرجين، لذا وجب التنبيه.. احذر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top