أحمد محمد مصطفى يكتب: إلى الواقفين على الحافة دائما

القادم أدناه هو رسالة  مني للواقفين على الحافة في أرجاء تلك القطعة من الأرض وفي ذلك الزمان تحديدًا، ربما نستطيع من خلالها ومن خلال مثيلاتها أن نكتب تاريخنا بيدينا، وألا يكتبه لنا الفائز دائما كما قال مصطفى ابراهيم: التاريخ ضمن الغنايم وبيكتبه الكسبان.

إلى الخاسرين دائما رغم انتصاراتهم الصغيرة، مثلي تماما.. دائما ما نقف في ذلك المكان حيث يتحتم علينا اختيار شئٍ ما والتضحية بآخر.. من يعرفون تماما طعم الخسارة وحقيقتها، لا لأنهم العارفون ببواطن الأمور، لكن لأنهم ذاقوها مرارا وتكرارا، كعصفور كسرت جناحاه فما عرف للطيران طريقا، أبناء ذلك الجيل، الذين دفعهم مصيرهم دفعا لرؤية ما لم يراه أسلافهم، هم من شاهدوا الدم، عاصروا الموت، شاهدوه، كان أقرب إليهم من أصدقائهم ولم يسعدهم الحظ؛ فظلوا هنا في ذلك العالم، ملعونين بما شاهدوا، عاجزين عن محو آثاره في الذاكرة، كضوء هارب من ظلام مدقع فحمل به فصرنا نراه ونعلم أنه هارب من الظلام.

أولاد كلمة لا.. أولئك من صدّقوا وفهموا ما وراء كلمات دنقل الملحمية:

\”المجد للشيطان معبود الرياح، من قال لا في وجه من قالوا نعم\”

الذين عرفوا دنقل وذاقوا مرارة أيامه، عشقوا مع درويش وقتما كفر العشاق، أولئك التائهون بين عالمين، ذلك العالم خاصتهم الذي يعيش بداخلهم، ذلك العالم حيث العدل، حيث الحب، حيث سلام بلا حرب، وإنسانية فقط، والعالم الآخر.. الخارجي الذي نعيش فيه، حيث الدم والظلم، ذلك السلام الذي يحوي في طياته الشر.. البندقية تقتل الياسمين، ونحن.. واقفون، لا لأننا عاجزون، بل لأننا ملعونون.

إلى الملعونين في أرجاء المعمورة، بذلك الحب وتلك المشاهد التي لا تفارق عقولنا وقلوبنا، المعذبون دائما برؤية جمال الأشياء من خلف السُتر، الموثوقة أقدماهم وأيديهم، فما هم بمحل سلطة ليغيروا، أولئك من يجاهدون في سبيل تحقيق جزء مما يدور بقلوبهم.. الحاملين هموم العالم بغير إرادتهم حتى في أكثر أفعالهم أنانية وجحودا، فليس هذا من إرادتهم في شئ، لكنهم ولدوا به لا لحكمة سوى تلك المخبأة بين طيات القدر بأمر الله.

إلى المغتربين في أوطانهم، وفي بيوتهم.. من ذاقوا أكف البشر من حولهم على رؤوسهم لا لشئ إلا لتمسكهم بالإنسان بداخلهم، من يحلمون فيتجرأوا على المضي قدما عكس اتجاه التيار، عكس التشويه، أولئك الذين قاتلوا ويقاتلوا كل يوم وكل ساعة حتى يحظوا بتعليم أفضل، وبعمل أفضل، وبعلاقات أفضل وبحياة كالحياة.

أولئك الذين عبر عنهم عمرو أبو زيد -واحد منهم- في شعره:

\”يا من بلتينا بدماغنا

وباسط رحمتك على الأرض

يارب الشعر والمغنى

ورب المحظورات والفرض

يارب الشمس والغيمة

وكرسي العرش والخيمة

يارب الحب والسيما

ورب اللحية والجلباب

يارينتي أعرف

منين الباب\”

الباحثون دائما عن الباب، داقت بهم أوطانهم فبحثوا -ومازالوا في محاولة- للأفضل دائما، حتى وإن تأخرت ثماره على من حوله.

لا يستطيب قلبي لهذه الفكرة القائلة بأنا ولدنا عبثا، اشعر بأن هناك سببا ما لوجودنا على هذه الأرض وفي ذاك المكان وفي ذلك الوقت تحديدا، وأنا بالتأكيد لا اعرف ما هو، لكني لا ادري، ربما لايزال هناك أمل في مكان داخلي مغطى بالظلام كتلك اللعبة الصغيرة الملقاة في درج المكتب تحت أطنان من المستلزمات.. \”الامل شئ قاتل\” وربما لهذا تحديدا نحن على هيئتنا هذه، لأنه قاتل ولأننا رضينا أن يبقى بداخلنا.

ربما العالم مازال يحتاجنا.. ربما ليس هنا ولكن من يدري ربما في مكان آخر.

افرط في وصفنا، ولكني اؤمن بأن تذكيرنا بذلك الوصف، تذكيرنا بأنفسنا هو رسالة في حد ذاتها، تلك الرسالة لا لشئ إلا للتذكير.. لستم وحدكم، فالطريق موحش وقد نبهنا علي رضي الله عنه في قوله:

\”لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه\”

ربما يفيد التذكير بأنا كثر، وأنّا جميعا في ذلك الطريق سويا رغم اختلاف الرؤى، ربما تخف وحشتنا حين نتذكر ذلك، ربما هذا ليس يومنا، ولكن ربما يأتى يومنا غدا رغم تأخره، وبالتأكيد لن يأتي إلا بالخسارة والتضحية والصبر والمثابرة، ظلوا كما أنتم، وثبتوا أرجلكم جيدا بالأرض، فغدا لن يأتي إلا بتلك الأشياء الصغيرة التي نفعلها، وتلك الإنتصارات الصغيرة وسط الخسائر المهولة.. من يدري فلعل فعل بضع قطرات صغيرة يغير مجرى النهر في النهاية.

وسلام ومحبة منكم وإليكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top