سيادة المواطن الشريف تحية طيبة وبعد,
أرجو أن تقبل كلماتي الآتية من باب النصح والإرشاد، لا من باب اللوم والعتاب، أثناء سيرك في مترو السائرون بلا حياة لا تشعر بالصدمة عندما تجد شخصا يختلف عنكم في أسلوب الحركة والهيئة والتكوين، عادة ما يكون بشعر أشعث لا يعتني بتصفيفه، ورغم شدة سواده يحمل كهولة وعجز ستين عاما من ذنوب الأجيال، ستجده يصنع من تذكرة المترو عديمة القيمة أشكالا، وفي يده سريعة الحركة المزدحمة بآثار الجروح أساور قماشية يسميها حظاظات، ليس الغرض منها جلب الحظ (أستغفرالله)، ولكن عادة ما تكون آخر ما تبقى من أخ سجين أو صديق شهيد أو فتاة ملته لإحساسها بأنه أصبح مسخا لا تعرفه، وتنظر إليه كما تنظر إليه أنت الآن تماما.
لا تخشى لن يجري عليك الآن محاولا رفع أثقال المعيشة والزمن من فوق كتفك، وهي الكفيلة بجعل أبو الهول ينطق أو يعبر بطريقة أخرى قد تكون مستحيلة بسبب فقدانه لأنفه! لا تخشى، فلن يبكي عليك كأحد أفراد عائلتك المصونة حين تموت أمام مستشفى حكومي نتيجة الإهمال الطبي، أو متفحما في حادث أتوبيس نتيجة الإهمال الحكومي، ولن يذكرك بأن اليوم هو السادس في الشهر وما تبقى من راتبك لا يكفي لشراء وجبة الفاميلي ميل التي تراها الآن في إعلان الجريدة الوردي، ولن يذكرك بأن ابنك في مثل سنه، ولكنه مريض بفيرس سي ولم تفده أسياخ كفته اللواء عبد العاطي!
لا تخشى لن يخبز زهرة شبابه وحياته حلوى ويهديها إليك، ولن يفعل أي شيء يؤذي مشاعرك كإنسان ميت يسير على الأرض.. لن يفعل، ليس حبا فيك ولا مراعاة لإحساسك كميت حي، لكنه يحاول جاهدا أن يموت ليصير زومبي مثلك أنت ومن حولك، ولا يمنعه غير تلك الحظاظات وما تحمله من دماء وخل وذكريات.. فأرجوك اتركه يموت في صمت!