في يناير من العام الحالي وفي أعقاب حكم المحكمة الإدارية العليا برفض طعن الحكومة المصرية على حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية – الاتفاقية المعروفة بتيران وصنافير – ترددت التكهنات حول ترشح المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في ٢٠١٨. وازدادت الترشيحات له بعد تحويله للمحاكمة بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام – أثناء الاحتفال بحكم المحكمة سالف الذكر – وهي المحاكمة التي لو أدين فيها – ولو بالغرامة – ستمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة.
المحاكمة التي يعتقد هو أنها عقوبة من النظام على عمله في القضية ومحاولة منافسة الرئيس السيسي في الانتخابات المقبلة.
التطورات المتلاحقة في السياسة المصرية وغلق المجال السياسي العام تطرح التساؤلات على القوى السياسية حول أهمية الانتخابات المقبلة وطرق مواجهة السلطة الحاكمة أين كانت أخذت قرارها بالمشاركة فيها، ولكن أيضا على القوى السياسية المصرية التعلم ودراسة التجارب الأخرى في الدول المشابهة والتي تمر بمراحل تحول ديمقراطي أو اجتماعي على حد سواء.
لا يمكن اختزال الربيع العربي في دول الانتفاضات. فقد كان الربيع العربي محركا لمزيد من الحراك السياسي والاجتماعي في الوطن العربي. ففي الأشهر التالية على ثورتي تونس ومصر تحركت المظاهرات المطالبة بالتغيير في عدد من الدول العربية من ليبيا إلى سوريا مرورا بالبحرين واليمن والمغرب، وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في عدد من هذه الدول إلا أن التحرك من أجل التغيير في حد ذاته قد يكون مؤثرا من أجل الوصول إلى التغيير ذاته.
في غضون الأعوام التالية لثورات الربيع العربي وفي حالة الانفتاح قصيرة المدى على العالم العربي الواسع، بدأت تتشكل حركات غير مسيسة بالمعنى الحزبي للتعبير عن التغيير. حركات تتحرك بدون اتفاق أو ترتيب، وإن كانت في مجملها متوحدة المبادئ، وإن كانت لبنان الحاضر الأقوى في هذا الحراك. حيث إنه في هذا البلد الصغير في المساحة والتعداد السكاني – مقارنة بدول عربية أخرى – البلد الذي غرق لما يزيد عن ١٥ سنة في حرب أهلية طائفية، بلد يقوم نظامه السياسي والاجتماعي على حد سواء على الطائفية الحزبية من اليمين السياسي إلى اليسار السياسي. بدأ مجموعة من الشباب الحراك الاجتماعي خالعين كل عباءات الطائفية السياسية والحزبية من أجل لبنان لكل اللبنانيين بعيدا عن المطالب الحزبية أو القائمة على المواءمة الحزبية في ظل نظام سياسي يقوم على المحاصصة الحزبية الطائفية. بدايته كان حراك \”طلعت رحيتكم\” والمظاهرات التي كانت تطالب بتغيير نظام تدوير المخلفات وغيرها من الأمور الحياتية، مرورا بالمشاركة في الانتخابات المحلية (البلدية) بقائمة انتخابية مستقلة بعيدا عن التحزب السياسي الطائفي وهي \”بيروت مدينتي\” وإن كانت القائمة لم تفز بالانتخابات، إلا أنها حصدت ٤٠٪ من الأصوات الانتخابية في ظل نظام انتخابي معقد، وهو ما يعتبر انجاز انتخابي للحركات الاجتماعية الاحتجاجية على نظام المحاصصة الحزبية المستمر منذ تأسيس الدولة اللبنانية في أربعينيات القرن الماضي.
في العام الحالي، انتصرت الحركات الاحتجاجية ثانية على النظام السياسي اللبناني بعد أن أقر زيادة في نظام الضرائب لتقوم الحركة الاحتجاجية بتنظيم المظاهرات المعترضة على النظام الضرائبي الجديد ومن ثم يتم إلغاؤه تحت ضغط مظاهرات الغضب في الشارع اللبناني. وهي مظاهرات شبيهة بالمظاهرات العفوية التي انطلقت في أعقاب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية.
وأقل دليل على تفوق القوى الديمقراطية وحركات الاحتجاج اللبنانية مشهد انسحاب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من ساحة رياض الصلح – عندما ذهب ليتحدث إلى المحتجين – تحت واقع هتاف \”الشعب يريد إسقاط النظام\” والذي أصبح بمثابة العلامة المسجلة باسم انتفاضات الربيع العربي.
وها هي الحركة الاحتجاجية والقوى الديمقراطية تنتصر من جديد على نظام المحاصصة الحزبي بانتخاب جاد تابت – والمعروف عنه الانفتاح وعدم العداء للأحزاب – نقيبا للمهندسين على رأس قائمة \”نقابتي\”، وبما أن \”نقابتي\” هي الشقيقة الصغرى لـ\”بيروت مدينتي\” كما يظهر على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بهم حيث لا تكتفي \”بيروت مدينتي\” بالدعم لـ\”نقابتي\” بل بالحشد والتأييد منقطع النظير. ومن ثم يمكن اعتباره فوز لـ\”بيروت مدينتي\” ونظر إليه الكثيرون على أنه أمل في بداية التغيير وتحريك الماء الراكد في السياسة والاجتماع اللبنانيين على حد سواء بعيدا عن التحزب والطائفية.
وإن كان المشهد النقابي في نقابة المهندسين لا يزال مبهما في ظل فوز \”تابت\” وحيدا كنقيب بعيدا عن قائمته وتمكن التحالف الحزبي الخماسي لأحزاب السلطة اللبنانية، التيار وحزب الله وحركة أمل والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، من الفوز في جميع مقاعد عضوية المجلس الخمسة، وهل سيكون الحال بإعادة إنتاج وضع مشابه لوضع نقابة الصحفيين في مصر منقسما بين مؤيدين للسلطة المصرية ومعارضين لها من حيث المبدأ ويصل إلى حد التشرذم، إلا أنه أعاد طرح السؤال حول الجهد والحراك المجتمعي من أجل التغيير في المستقبل. وإن كان اللا حزبيون يستطيعون تغيير الواقع في نقابة المهندسين في بيروت في ظل مجلس نقابة نقيبها مستقل وباقي الأعضاء حزبيون ومن بعده أشياء أكثر.
إن فوز \”تابت\” بمنصب النقيب ومن قبله التقدم الذي حققته \”بيروت مدينتي\” والحراك المجتمعي اللبناني وإن كان يدل على ازدياد الحراك من أجل التغيير في لبنان – ولا يمكن إنقاص حق كل من عمل وتحرك على زيادته والمساعدة والتنظيم في ظل النظام اللبناني – ولكن لا يمكن اجتزاءه من الحراك العربي الذي بدأته انتفاضات الربيع العربي في ٢٠١١.
إن كان الحراك اللبناني هو جزء من حراك الربيع العربي – ولكن في أشكال أخرى غير التي تعود العالم أن يراها على شاشات التليفزيون من مظاهرات أو اشتباكات – ومن ثم فإن الجماعات السياسية المصرية عليها أن تتعلم وتشتبك مع الحراك اللبناني والذي قد يكون مشابها للأوضاع المصرية إلى حد كبير – مع الوضع في الاعتبار خصوصية كل من البلدين.
على القوى السياسية التعلم من تجربة \”بيروت مدينتي\” والاتفاق على أن المبادئ العريضة – بعيدا عن الأيدلوجيا السياسية والاقتصادية – هي السبيل للخروج من حالة الاستقطاب السياسي وإغلاق المجال العام. إن الحراك التغييري العربي في بعض الأحيان يحقق العديد من النجاحات في التنظيم والتفوق على السلطة السياسية عند الاتحاد بعيدا عن الأيديولوجيا السياسية الجامدة باستخدام نفس وسائل السلطة السياسية ذاتها، ولنا في \”بيروت مدينتي\” و\”نقابتي\” في لبنان أو الحكم لصالح مصرية جزيرتي تيران وصنافير مثال عملي.