\”عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية\”.. شعارات طالما رددناها وسمعناها في مختلف الوقفات، والثورات، والاحتجاجات، وربما في مناسبات المحاكمات.. دون أن يعلم معظم قائليها أن هناك ثلاثة منهم، وواحدة منّا.
العيش من التموين.. والحرية من السجَّان.. والعدالة الاجتماعية من الحكومة.. ولكن ماذا عن \”الكرامة\”؟ هل يوجد من يحبسها، أو يمنعها، أم نحن من أدمنَّا إهانتها؟!
يوميًا تمر أكثر من قضية ونتعرض لأكثر من موقف، وتظل أعيننا شاهدة عليها وعلى آثارها، ولكن إن أردنا أن نتعرف على مدى أهمية كرامتنا وسط تلك الأشياء، فالنتيجة ستكون صادمة.
حينما قامت ثورة 25 يناير، كان الجميع يعكس أننا يد واحدة.. نحمي بعضنا ونقتسم طعامنا وغطاءنا، وربما دافع شخص عن الآخر ليخلصه أو ليتقاسم معه نصيبه من الضرب، هذا عن ميدان التحرير.
داخليًا، وخاصة في الأحياء الشعبية، كانت أولى اختبارات \”الكرامة\” أمام كروت الشحن والسلع الغذائية.. وكما ظهرت \”جدعنة ولاد البلد\”، كنا أيضًا على موعد مع \”استغلال ولاد الـ….\”، وزادت الأسعار أضعافًا، وبالتزامن مع النداء بالكرامة والحرية في الميدان، كانت هناك شريحة كبرى تدهس كرامتها بأقدامها لتصل لما تريده من مكاسب مادية.
في تلك الفترة، لو كان هناك جهاز يُدعى \”كراموميتر\”، يقيس معدلات ارتفاع نسبة الكرامة أو الحفاظ عليها، لكان سجَّل أسوأ وأقل مؤشراته، وربما سجَّل نتائجه بالسالب.
في اختبار آخر أمام \”الكراموميتر\” كانت النتائج مخيبة للآمال، فظهرت فيما يُسمى بـ\”ثورة الإنترنت\” والتي اتخذت طريقًا لمقاطعة شركات الإنترنت لسوء الخدمة وزيادة الأسعار.. وكالعادة لم يعط أحد الأولوية لكرامته، وسرعان ما ذهب يلهث وراء خدمات معدومة، وكان ثائرًا ضدها، مقاطعًا لها قبلها بأيام.
فبأي مبرر سيخرجون بأن تلك الخدمات أو المطالب أولى من كرامتهم؟! ألا تستحق \”الكرامة\” تضحية -ولو مؤقتة- بأشياء مادية أو خدمات لا قيمة لها؟
هناك ظاهرة أخرى أكثر انتشارًا، وتعد عامل حفّاز \”لقلة الكرامة\”.. في مواقف \”الميكروباص\” يجلس السائق منتظرا الركاب.. ينادي عليهم بصوته ليُحمِّل سيارته ويعود مرة أخرى.. وطالما كان الموقَف مليئا بالسيارات الذاهبة للمكان ذاته، تجد السائقين يتفننون في إرضائك لتركب معهم، ويكتمل عدده سريعًا ليسير ولا يُضيِّع الكثير من الوقت، وحتى لا تذهب إلى آخر.
تنعكس الآية تمامًا في وقت الذروة، أو أوقات المناسبات، أو في الساعات المتأخرة.. فتكون المواقف ممتلئة بالركاب المنتظرين لـ\”سيارة الفرج\”، وهنا تكون أقصى درجات الإهانة و\”قلة الكرامة\”.. يأتي السائق مسرعًا ليجد جحافل الركاب تنتظره مستقبلة إياه استقبال الفاتحين، ولا أعرف مدى الاستمتاع النفسي حينما يبطئ بسيارته في البداية، وبمجرد أن يقترب الركاب لينتزعوا أماكن من وسط الزحام، يزيد السرعة ليركض الركاب وراءه ليفوزوا بأماكنهم هروبًا من الازدحام أو التأخير!
ونظرًا لطبيعة عملي الصحفي -أنا وزملائي- تتكرر معنا مواقف كهذه مثلنا مثل غيرنا.. نتعرض بصفة دورية لمواقف غير لائقة من مصادرنا أو القائمين على تنظيم الفعاليات التي نغطيها صحفيًا.. وغيرها، ونكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نختار كرامتنا، أو نتقبل الأسلوب غير اللائق، وإذا طالبنا بحسن المعاملة، تكون ردودهم: \”أمشي وفي 1000 غيرك يغطي\”!
وللأسف.. عادة ما يكون رد الفعل فرديًا للحفاظ على الكرامة، فلو كان جماعيًا في أكثر من مناسبة، لصار الجميع ملتزمًا بجميع حدود الأدب و\”كرامة\” الآخرين.. ولكن يقف المعظم مكتفيًا بمشاهدة الإهانة تتفشى من زميل لآخر، غير مهتمين إلا بعملهم، الذي يهمهم أكثر من كرامتهم! ولا عزاء لمن ذهب حفاظًا على كرامته.. ولا عزاء لـ\”الكراموميتر\” الذي سينفجر مؤشره من كثرة اتجاهه نحو (السالب).
هل لو كنا وضعنا كرامتنا فوق رؤوسنا وأعطيناها حقها ومكانتها، كان سيظهر هؤلاء بمواقفهم وأعمالهم؟! أعتقد أن الإجابة ستكون لا.
للتواصل مع الكاتب عبر \”فيس بوك\”: https://www.facebook.com/a.fathi94