من قواعد العبور في دنيانا أن لا يَكمُل لك ما تريد في زمان واحد، فأنت إن مُنحتَ القلم، شحّت الأوراق.
وإن ذهَبت توفّر الورَق ضاعت أقلامُك. وهكذا في كل أمور دُنياك.
انظر حولك:
تلك المرأةُ الثلاثينية، لن تجد هذا المُحب الولهان -الذي لا يرى من دنياه إلا هي.. هذا الذي لا يملُ الحديث إليها بلا نهاية وبلا سبب، فقط ليسمع صمتها.. هذا المُنقطع من كل ما يشغله عنها منتظرًا لقائها وإن تشاغلَت عنه- لن تجده إلا في صبي مراهق تكون هي أولُ رشفة له من نهر الحُب.
هذا المراهقُ فقط هو من يستطيع أن يمنحها نفسه كاملًا راجيًا أن تقبله.
فلا شيء يُثقل كاهله بالفعل سوى الفراغ وهورموناتٍ تتقافز هنا وهناك.
وهذا الرجُل الثلاثينِي.. لن يجد هذه المُتعقّلة الحكيمة -التي تزن الأمور دائمًا قبل الحديث فيها أو عنها.. تلك التي تجيد فنون التودد وآداب الخصام.. هذه التي تعامل فيه طفلًا نبتت له لحية- لن يجدها إلا في سيدة تستقبل عقدها السابع بخصلات فضيّة لامعة.. خبرت الدنيا فإشتدّ قلبها واكتسب قدرًا حميدًا من القسوة وشَبّ عقلها وتماسَكَ لينُه، وانحنت عظامها فاستقام عَوَجُها.
لا الصبيُ الولهان يُرضي أنوثة الثلاثينيّة وإحتياجها للسند والسكن مهما أشبعها عشقًا ودلالا.. هو طفلُ بالنهاية يجهَل النساء، ولا العجوز الحكيمة تُشبع حاجات الثلاثيني ولو وجد معها الأُنس والإحتواء والتفهّم.. هي عجوز بالنهاية ذهب عنها جمالها وخبَت فتنتها، فلم يعد يطلُبها الرجال.
وهكذا.. لا الصحة تكمُل أو تدوم، ولا المال يكمُل وينتظم.. حتى الإيمان يعلو ويهبط ولا يكمُل إلا في الملائكة معدومي الإرادة، ولا شيء في هذه الدنيا يكمُل أو يستقيم.. لابد من نقص يخبرنا بضرورة وجود حياة أخرى غير دنيانا هذه.. هناك حيثُ تكمُل الأشياء والمعاني.
فقط عند إدراك تلك الحقيقة والرضا بها تستطيع الفرح بما بين يديك على نقصِه، والإستمتاع به على عوجه.
عندها ربما ترى جمالًا ما في عدم اكتمال الأشياء، تمامًا كما تستمدُ ألوان الشفَق سحرها من نقصٍ يصيبُ قرص الشمس عند كل غروب.