أحمد فؤاد يكتب: المناظَرَة وألتراس الأديان

لم أقتنع يوماً بجدوى المناظرات الدينيّة.. تلك التي نتابعُ فيها دينَين أو مَذهَبين في حلَبَة الملاكَمة.. بينما الجماهير في إنتظارِ اللحظَة التي يُجهِزُ فيها أحد المتناظرَين على خصمِه بالضربَة القاضية!

فأنا لا أرى الإقناع بدين من الأديان أو مَذهَبٍ من المذاهب يكون أبداً بالقول ولا الحُجّة ولا بالمناظرة والمقارنة.. إذ أن كُل ما على الداعِية أو المبشّر فِعله هو أن يكون نموذجاً حياً للدين الذي يدعو إليه.. يمشي بين الناس.. فلو رأى الناس في نموذَجه هذا خيراً لهم لاتبعوه وحذَو حذوَه حتى لو كان أبكماً، فالإنسان بطبعه يطلب دائماً ما يرى فيه الخير لنفسه.

وكُل دينٍ عند مُعتنقيه هو الدين الحق الواحد، ولو أننا نناقش هذا الأمر من وجهة نظر الإسلام، فهو لا يسمّيها أدياناً مختلفة متنوّعة، وإنما هي في مُجمَلها \”إسلام\”.. نزَلَ على الأنبياء من آدم عليه السلام إلى مٌحمّد عليه السلام.. نزل على كُل نبي بما يتناسب وفهم قومِه.. وما يتناسب مع مراحل نضوج العقل البشري ومَدَاركه التي حصّلها وورثها حتى لحظة وصول رسالة الله إليه على لسان رسول.

هنا نقف وقفة.. عندما تطالع وصايا بوذا مثلاً تجد سؤالاً يطرح نفسه بِشِدّة:

لماذا لا يكون بوذا نبياً من الأنبياء الذي قال الله فيهم: \”ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك\”، لكن قومَه دارت عليهم عادة الإنسان في النسيان والتأويل والتهويل، فقدّسوا رسولهم المحبوب وتناقلوا هذا الدين حتى يومنا هذا.. كما عَبد قوم إبراهيم أبناء النبي آدم من قبله \”وُدّا ويغوث ويعوق وسواع ونسرا\”.. أليست تلك فرضيّة تستحق التأمل !؟

ولو وافقتني في طرحي هذا.. لماذا لا نتوسّع في الفرض بأن كل الأديان التي وصلت إلى الناس في يومنا هذا.. ما هي إلا ورقة من غصن من فرع من جذع الإسلام الواحد الذي هو دين الله للناس نزل على آدم وصولاً لمحمّد!

ألم تكن المسيحيّة يوماً ما هي فقط ما نطق عيسى، فنجدها اليوم \”إنجيل مَتّى\” و\”إنجيل بولُس\” و\”إنجيل برنابا\” و\”مسيحيّة الملك فلان\” و\”مسيحيّة القديس علّان\”؟! ثم منها ما هو كاثوليكي وبروتستانتي وأورثوذوكسي وإنجيلي وغيرهم.

ألم يكن الإسلام قرآناً عربياً واحداً محفوظاً ليومنا هذا؟!

إلا أن ذلك لم يمنع أن نرى اليوم \”إسلاماً وهّابياً\”، \”إسلاماً أزهرياً\” و\”إسلاماً سلَفياً\” و\”شيعياً\” و\”سُنيّا\” و\”أُصولياً\” و\”وسطياً\”، ثم منهم \”إثنا عشرياً\” و\”زيديّة\” و\”إسماعيلية\”، وعلى مذهب \”إبن حنبل\” ثم \”مذهب أبي حنيفة\” ثم \”الشافعي\” و\”مالك\”.

حتى إن البعض يقول بأن الهنود \”السيخ\”، ما هم إلا تحريفا لما كان في الأصل إسلاماً، لم يبق منه إلا لقب مُعلّمه.. \”الشَّيخ – السيخ\”!

ليست لدي إجابة قاطعة لأي سؤال، وإنما تلك نظرتي لدين ربّ واحد علّم خلقه ديناً واحداً يَصِلُهم به.. لا يأمُرُهم بسوء.. ثمّ جرت على الخلق سُنّة النسيان، وطلب الدنيا وإستغلال العِباد من سلاطينهم وملوكهم بتحريف كلام رب العباد، وتطويع المحكومين والرّعيّة باسم الرب، وتغليبِ مصالِحٍ على أُخرى باسمِ رسولِه وآل بيته.. ورفعِ جنسٍ على آخر بسيفِ حُبِّ العباد الفِطري لخالقهم وسعيهِم للإمتثال لإرشاده.

والله أعلَم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top