أحمد عيد يكتب: على قدر نيته

بعد سبع سنين من التأمل العميق، فوق قمم جبال التبت وفي لحظة الاستنارة توصل جوتاما بوذا إلى الحقيقة الكاملة، فاستقل تكتكه في سباق مع الريح هابطًا من قمة الجبل إلى قريته فيما بين السفوح، قبل تلك السنون السبع كان جوتاما سائق تكتك بسيطا، قرر -في يوم ما- أن يخرج من دورة التناسخ اليومية دلهي – كاتماندو، كاتماندو – دلهي، لينشد الحكمة في أعالي الجبال.
بالكاد تعرف عليه أهل قريته إبان ظهوره المفاجئ في شوارع القرية مناديًا فيهم بأن الحل السليم، لمشاكلهم يكمن في التعليم، فعليهم بالعلم -إن أرادوا- الخلاص، وبس خلاص.
كان إمبراطور الصين الجديد قد أتم عامين في الحكم أنفق خلالهما مئات آلاف القطع الذهبية، في مشاريع وهمية، غير ذات جدوى اقتصادية، مثل بناء سور الصين الجديد، بمحاذاة السور القديم، الأمر الذى أنهك اقتصاد البلاد، وأفقر العباد، وكان ينزح من ميزانية التطبيب والعلام ليزيد من رواتب ومخصصات اللئام.
وتناقل الناس خبر بوذا في كافة أنحاء البلاد، وتعجبوا كيف أن مدارسهم أسوأ من مدارس دمشق وبغداد، ورأى الإمبراطور أن الأمر خطير، وينطوي على اتهام مباشر له بالتقصير، واستغرق في التفكير، هل يلقي القبض على هذا البوذا الآن، ويقول إنه من الأفغان؟ سبق وفعل ذلك مع الكثيرين، حتى اكتظت السجون بالمعارضين، وأثر ذلك على صورته كثيرًا عند الملوك الغربيين، فرفض بعضهم في المحافل الدولية أن يكونوا له من المصافحين، وهو يريد أن يكون من الحكام المحترمين، لذلك استدعى وزيره إلى قصر المدينة المحرمة -الذي سمي كذلك نظرًا لتحريم دخوله على العوام من أبناء الشعب- وأمره أن يجمع له كبار المؤيدين والقليل القليل من المعارضين ويا حبذا لو كانوا من المدجنين، وأن يعقد لهم مؤتمرا في شنغهاي الساحلية أربعة أيام وثلاثة ليالٍ شاملة، الطيران والإقامة الكاملة، وأن تبث أحداث المؤتمر على جميع القنوات العاملة.
في المؤتمر جلس الإمبراطور وسط المدعوين، وبعد أن تلقى صنوف المديح من الحاضرين، قال لهم \”إن ما تحقق في العامين الماضيين إنجاز يفوق الخيال، وإن تحسين التعليم في البلاد أمر محال، يتطلب الكثير من الوقت والأموال\”، ولكي يثبت للناس طيبة قلبه وحسن أخلاقه، جاء بفتاة فقيرة إلى رواقه، فأجزل لها العطاء ومنحها ألف هدية وهدية، وفتح لها بنفسه أمام الناس باب العربة الإمبراطورية، وسألها أن تتمنى له أمنية.
وقفت الفتاة في موقف عصيب، فهي التي عاشت حياتها في الشقاء، والآن يسلطون عليها الأضواء، وها هو الذي تسبب في بؤسها، يطلب منها أن تعبر له الآن عن امتنانها، استلهمت الفتاة حكمة الإله جاناباتي وقالت له \”ما رأيت مثلك في حياتي. أتمنى من أعماق قلبي لحضرتك، أن تعطيك الآلهة على قدر نيتك\”. فبهت الذي كفر، وانصرف غاضبًا ومن خلفه الخفر.
بالطبع عزيزي القارئ كانت تلك قصة خيالية، ليس فقط لما تحتويه من مغالطات تاريخية، ولكن لأن مشكلة التعليم في القرن الواحد والعشرين يمكن أن تحل بكل بساطة بدون الحاجة إلى بناء مدرسة واحدة أو طباعة كتاب واحد، ماذا لو أعطينا لكل طالب أو تلميذ جهاز كمبيوتر لوحي محمل بنسخ رقمية من الكتب والمناهج الدراسية ومقاطع فيديو توضيحية؟ ماذا لو استطعنا أن نربط تلك الأجهزة اللوحية بشبكة إلكترونية مغلقة نسميها الشبكة التعليمية؟ ومن خلالها سيلتقي المدرس مع تلاميذه في مواعيد الحصص الدراسية، في تلك الحالة لن يتوجب على الطالب أن يغادر منزله إلا في أوقات الامتحانات أو الدروس العملية، ماذا لو كافئنا المدرس ماديًا على حسب نتائج تلاميذه وليس بأي معيار آخر؟ أنا متأكد أن مصنعين كثر سوف يتنافسون على توريد الملايين من الكمبيوترات اللوحية مما قد يهبط بسعر الجهاز الواحد إلى أقل من عشرين دولارًا، أنا متأكد أن شركات الاتصالات سوف تتنافس لتأمين الملايين من شرائح الهواتف لتلك الأجهزة وتأمين اتصالها بالشبكة التعليمية، في المقابل كم سنوفر من تكاليف طباعة الكتب وإدارة المباني التعليمية؟ كم سنوفر من ميزانية المواصلات اليومية والتلوث والزحام وكم سيوفر المجتمع من الوقت؟ دائمًا هناك حلول غير تقليدية، وعندما توجد الإرادة سيوجد الطريق كما يقول المثل الإنجليزي، ولكن يبدو أن الإرادة في قصتنا هذه لم تتوافر، إما عن جهل وتلك مصيبة، أو عن قصد لأن شعبًا جاهلًا هو مبتغى أي ديكتاتور وتلك مصيبة أعظم.
اللهم ارزق كل إنسان على قدر نيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top