أحمد عيد يكتب: أشباح دولة

أنهى الضابط محمد عبدالودود صلاة الظهر في المسجد الملحق بمبنى جهاز الأمن ورفع كفيه إلى السماء متضرعاً في خشوع ومسح بهما على وجهٍ تعلوه علامات التقوى، ثم صافح الصول عبدالشافي عن يمينه والأمين علاء عن يساره داعيا الله أن يتقبل، ومن ثم اتجه ثلاثتهم عائدين لاستكمال عمل كانوا قد بدأوه منذ الصباح، ولم يتوقفوا عنه سوى تلبيةً لنداء الصلاة، وبينما هم يهبطون إلى قبو المبنى، أشعل الرائد محمد لفافة تبغ من نوع فاخر، وأخذ يدخن في تلذذ، بينما بدأت علامات الخشوع تنمحي عن وجهه لتحل محلها نظرة باردة، فبدا كوحش أسطوري يحدق في الفراغ.

في القبو تدلى من السقف جسد لشاب عارٍ، وقد قيدت أطرافه الأربعة، وعلق على عارضة معدنية كالذبيحة، اجتمع ثلاثتهم حول الجسد النحيف، وانهمك الرائد محمد يفتش فيه عن بقعة لم يغير لونها حرق أو جرح أو قرح، فاستغرقه ذلك بضع ثوان، حتى وجد ضالته، ومن ثم أطفأ سيجارته في البقعة المنتقاة من ظهر الشاب، استفاق الأخير من غيبوبته وانقبضت جميع عضلات جسده المنهك، لترفعه إلى الأعلى بعيداً عن مصدر الألم قدر المستطاع، وفي تلك الأثناء جحظت عيناه وانطلقت من صدره صرخة كالعواء المكتوم استهلكت كل الهواء الكامن في رئتيه، فانهارتا ولم تنفتحا من جديد.

تأكد لهم موت الشاب، فحمله عبدالشافي وعلاء في سيارة، واتجها به إلى إحدى الطرق الصحراوية للتخلص من الجثة، وبعد أن عادوا، اختلف ثلاثتهم حول أسباب الوفاة، هل هو الإفراط في استخدام الكهرباء، أم أنها الدماء الغزيرة التي نزفها، وخصوصاً من فمه ومؤخرته؟ ولكنهم اتفقوا على أنه استحق ذلك المآل، جزاءً له لإصراره على عدم التعاون، بل إنه ظلّ يصرخ مطالباً بحضور سفير بلاده التحقيق، كما أن أحدهم لم يشعر بوخزةٍ في الضمير خاصة أن الشيخ مدحت الموفد إليهم من إدارة الدعم المعنوي، سبق وأن أفتاهم أن تعذيب المشتبه بهم بهدف انتزاع المعلومات هو أمر \”لا شيء فيه\”.

في ذلك المساء حضر ثلاثتهم حفل زفاف ابنة الصول عبدالشافي الذي بدا في غاية السعادة، وخاصة بعد حضور الضابط محمد والسادة الضباط إلى عرس ابنته، وإغداقهم عليه بالهبات، وانضم الأمين علاء إلى حلبة الرقص بعد أن دخن سيجارة حشيش، بينما تندر الضباط حول ذلك الذي ظل لأسابيع يغيب ثم يفيق، يبكي ويستغيث ويرطن في أغلب الأوقات بلغة لا يفهمونها \”مامّا ميّا… مامّا ميّا\”

كانت القاعة تضج بالطبل والزمر والرقص وقهقهة الحاضرين، ولذلك لم ينتبه أحدهم إلا متأخراً لصوت يصيح فيهم ثلاثاً: \”حريق .. حريق .. حريق\”.

عزيزي القارئ، كانت تلك قصة خيالية، لا تمت إلى الواقع بصلة، حدثت في بلد خيالي يدعى موزستان، ولكن إذا حدث والتمست العذر لأي من أبطالها الموزستانيين، فأنت بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي على وجه السرعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top