على التحديد في عام 2007 تعرفت على بلال فضل، مقالة في مجلة \”الشباب\” ذات عنوان صادم: إذا لم تتمرد.. فما الفرق بينك وبين دكر البط؟ بثت كلمات بلال البسيطة المتمردة القلق في نفسي، قلق رفض الرضا بالأمر الواقع والتعايش مع النفاق والتلاعب بالدين، وكأن التمرد غير مطلوب، والحلم غير ممكن، وعدم المبالاة بالسياسة حكمة وعقل (تذكر أنك مواطن).. هكذا كرر بلال دائما.
\”من غير لا سلام ولا كلام ولا مقدمات فارغة لا تودي ولا تجيب، دعني أسألك سؤالا أتمنى أن يكون ضميرك لا يزال حيا فيملي عليك أن تجيبني على سؤالي بصراحة.. سين سؤال: متى كانت آخر مرة تمردت فيها؟ انتظر.. رايح فين، مالك جزعت هكذا من مجرد سؤال؟ من قال لك إنني أقصد التمرد على نظام الحكم؟ لا تخف لن أورطك في موضوع كهذا، إن لم أكن خائفا عليك، سأخاف على نفسي أولا من تهمة التحريض على قلب نظام الحكم، إذا افترضنا أن للحكم لدينا نظاما أو قلبا.. أنا يا سيدي أسألك عن التمرد كمبدأ، كموقف، كطريقة في الحياة، دعني أعيد صياغة السؤال الذي كدت تجري منه لأضعه بين يديك في صورة أسئلة تفصيلية، بشرط أن تتذكر أنك لازلت تحتاج إلى الصراحة التي طلبتها منك في البداية\”.
هذا الكلام رغم بساطته ووضوحه، وضع خطا فاصلا في حياتي.
بلال فنان منوع المواهب، فهو كاتب ومقدم برامج ثقافية بارع ويكتب مسلسلات وأفلام أثارت جدلا كبيرا، وصاحب أسلوب جدلي ساخر من أثمن طراز.
في عام 2010 قدم بلال برنامج عصير الكتب (القديم).. قدم بلال فيه عشرات الكتب الجديدة مع مناقشة مؤلف الكتاب.. أمتع فقرات البرنامج هي فقرة سور الأزبكية، مع صائد الكنوز الذهبية شعبان يوسف، لأول مرة اسمع أسماء مثل محمود حسن إسماعيل، ومحمود محمد شاكر وزكي مبارك وسلامة موسى، والمازني وغيرهم الكثير.. كم أنا مدين لهذا البرنامج بالكثير.
ترك بلال البرنامج تضامنا مع الإعلامية دينا عبد الرحمن، لأنها ردت على اللواء (كاطو!) الذي اتهم الأستاذة نجلاء بدير بأنها مخربة، وكان نص كلام اللواء كاطو باشا (النهاردة القوات المسلحة بتحاول تعلم الناس كي جي تو ديموقراطية وعاطية كل الناس فرصة بتعبر عن رأيها، إنما الرأي لازم يكون موضوعي!) لاحظ هذا الكلام في عز أيام الحماس بعد الإطاحة بمبارك.. طبعا علامات تعجب كثيرة.
ضحى بلال بالبرنامج (وهو عاشق كبير للكتب).. علمنا بلال الكرامة وعزة النفس وعدم الإذعان للطغاة.
\”في حوار ممتع مع الشاعر أحمد ندا يقول بلال: حتى الآن، المسألة مرتبطة بفكرة الشغل.. بعد منع مقالاتي في \”الشروق\”، ومنع مسلسلي من العرض، بقيت حوالي تسعة شهور أنتظر أي فرصة شغل، وللأسف لم أحصل على أي فرصة.. في البداية، حين كنت أقول ذلك، كان الرد بأنني أبالغ، وللأسف ثمة مثقفين محترمين قالوا وكتبوا إني أفتعل أزمة وأن مسلسلي \”ليس ممنوعاً\”، ودارت الأيام ومُنعت مقالاتهم من الكتابة، ولم يعتذروا حتى عن ظلمهم لي!
المهم أني بقيت فترة بلا عمل، ولا أحد من المنتجين كان ينوي أن يحرك الأعمال التي اتفقنا عليها، وبالمناسبة بعضها كان داخل التصوير.. هذا الواقع لم يحزنّي. في النهاية، قررت أن أسافر وأقبل عرض عمل البرنامج مع \”التلفزيون العربي\”، وأكتب في مواقع الكترونية عديدة، كانت أولها \”جريدة المدن الإلكترونية\”.. وفي الوقت نفسه، بدأت أدرس المسرح، وأطارد أحلامي القديمة بكتابة فيلم بالإنكليزية، وهو أمر بالغ الصعوبة.. وبالتالي لو حصل تغيّر ما في الأوضاع العامة، واختفت حكاية عقاب الكتّاب وإعداد \”اللوائح السوداء\” لهم وحظر أعمالهم.. أكيد سأكون سعيداً بأن أرجع الى مصر مجدداً، وأستأنف شغلي بشكل طبيعي، وربنا قادر على كل شيء\”.
في هذا الزمن الأعرج أن تسمي الأشياء بأسمائها مغامرة غير مأمونة العواقب، وشجاعة لا يدفع ثمنها إلا صاحبها.
هاجم بلال السيسي مبكرا، بل وطالب بحاكمته، ورفض مذبحة رابعة وطالب بمحاكمة مرتكبيها، قبل أن يرى الأعمى جرائم السيسي ويسمع الأصم فضائح نظامه.
كان على بلال أن يدفع ثمن شجاعته، منع مسلسل \”أهل إسكندرية\”.. حورب في رزقه، منع من الكتابة، رغم ذلك لم يتاجر بلال بمواقفه، ظل يذكرنا دائما بالمعتقلين والمظلومين وبجرائم السيسي.
مقالاته \”من أقوالكم سلّط عليكم\” و\”منافقون برخصة\” أراها أقرب الأمثلة الآن.. تخيل أن نسمي شاهد الزور باسمه، تجلب على المرء هجوما! سمى بلال شاهد الزور باسمه وهاجمه رغم أنه أستاذه.
اشتري الجرائد يوميا من كشك في مفارق المقطم، يعرف البائع شغفي ببلال، أدهشني يوما عندما فاجأني قبل أن أسلم عليه (شوف ياعم صاحبك كاتب إيه؟ طيب مش كفاية الثورة هنا.. لأ راح يكتب عن سوريا)!
للمازني بيت جميل: وصرت غيري، فليس يعرفني إذا رآني صباي ذو الطرر.
تغيرت كثيرا الكتب التي تستهويني، الأفلام التي أشاهدها، اختياراتي في الحياة، الأصدقاء.. ما أقبل، ما أرفض.. صرت غيري بالفعل، ولكن مازلت مشغوفا بقراءة مقالات بلال ومشاهدة برنامجه وأتعجب بشدة من اتساقه مع نفسه وتصالحه مع تناقاضاته.