أحمد صلاح يكتب: نعم.. أنا أكره القاهرة

للمرة المائة بعد المليون الأول.. أنا أكره القاهرة!

ربما بدءا من ذلك الكلب الذي يقتنيه أصحاب الفيللا المجاورة لمبنانا، والذى لا يحلو له النباح إلا بعد منتصف الليل وحتى ساعات الصباح الأولى، بسبب وبدون سبب.. نباح طويل مزعج، وكأنه لا يجد شيئاً آخر يفعله.. مثل هذه الكائنات تجعل أفكارا مثل الإعدام برصاصة مباشرة فى الرأس عملا ترفيهيا.

هناك ذلك الوغد الذى يعمل فى إحدى الملاهي الليلية بشارع الهرم، والذي يجذبك من ذراعك فى مودة زائدة كلما قررت أن تتريض قليلاً، وشاء حظك العاثر أن يلقيك فى طريقه، تجده يبتسم فى لزوجة عارضا عليك سيجارة مصرية رديئة، داعياً إياك لدخول الملهى وقضاء بعض الوقت المرح، بكلمات تحمل إيحاءات جنسية مباشرة يعاقب عليها القانون.

وماذا عن سائق التاكسي الذى أقسم أقساما مغلظة أنك أعطيته ورقة مالية بقيمة عشرين جنيها، وليس خمسينا، و\”اتفضل يلا يا أووستاذ.. هي مش تلاقيح جتت\”، وعادت ذاكرته إليه فجأة عندما ظهر جانبك الآخر القبيح، واضطررت لاستخدام ألفاظا نابية، مع وعد بنشر صورته على الفيسبوك، الذي أصبح ذكره أشبه بذكر جارة \”رداحة\” كانت تقطن بشارعكم قديماً.

كلا، لن أذكر مستعمرات النمل البشرية، ولا الزحام المروري ومغامرة محاولات عبور الطريق، لن اذكر أكوام القمامة التي تحتل كل ركن، ولا حتى علب السردين المتحركة التي يطلقون عليها لفظة مترو.. هذه الأشياء أصبحت من المعالم الحضارية للعاصمة، وتأتي فى package واحد غالبا.

فقط اذكر كلمة \”القاهرة\” لأي كائن بشري طبيعي، وسيسمع أصوات نفير آلاف السيارات الغاضبة يزاحمه التفكير.

قرأت مقالا ذات مرة تحدث فيه الكاتب عن قاطني العاصمة، مشبهاً إياهم بالكائنات الخرسانية، يقول فيما معناه \”إن هؤلاء وُلدوا وتربوا وغالبا سيموتون بين أربعة جدران خرسانية، تحيط بهم قلة من الذين حاولوا هدم الجدار ليروا ضوء الشمس والسماء الزرقاء من خلفه\”

كيف تتوقع ـوالكلام لي ها هنا- أن يفكر أحدهم خارج الصندوق، وهو لا يدرك أبعاد الصندوق أساسا؟

كيف لمن لا يرى الأرض تعانق السماء بعيدا فى الافق، أن يكون قادرا على الوحي أو الإتيان بشئ جديد؟

كيف تبعث الإلهام من حولك، وقد تحولت إلى روبوت عطب يسير ويثرثر وهو لا يعي ما يقول؟

يبدو لى الأمر أشبه بالعنصرية المضادة، كما حدث فى الولايات المتحدة والأبارتايد بجنوب أفريقيا مع السود، حيث تفتخر بكونك مختلفا فى مجتمع لا يستوعب أساسا فكرة الاختلاف.

لطالما كان سكان المدن والأقاليم، يُعاملون معاملة مواطني الدرجة الثانية، حتى لو تعلق الأمر ببعض الأوراق  الرسمية والأختام.. تجد أهل العاصمة يطلقون النكات على الصعايدة ويسخرون من ساكني الأرياف ويحتقرون البدو، وهم حالهم يُرثى له!

كائنات كانت رجالا تتصارع من أجل أن تعيش يوما آخر بلا جدوى!

يقول الدكتور أحمد خالد توفيق في مناسبة مختلفة تماما، وإن وجدتها مناسبة لتتمة هذا الكلام: (عندما يزحف القبح والعطن على كل الإثارة التي يولدها الخيال.. تلتف الغصون الشائكة الطفيلية حول الثمار، وتزحف العقارب بين اللآليء.)

حينها.. يمكنك أن تغمض عينيك، وتتخلى عن أفكارك الطفولية، لتغيير العالم، وتموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top