أحمد صبحي يكتب: ماذا لو كان مهند سفاحا؟

إمبارح تم الإعلان عن الأفلام المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الـ38 في الفترة من 15 إلى 24 نوفمبر 2016، واللي هايكون من ضمنهم آخر الأعمال الوثائقية للأمريكي العظيم مايكل مور \”Where to invade Next\”، واللي من خلاله بيلف مور مجموعة من دول العالم، خاصًة في أوروبا، علشان يشوف إيه مواطن قوتهم الحضارية، مما ينقص بلده الولايات المتحدة، ويعلن هناك \”بشكل رمزي وساخر\” إحتلاله للبلد دي، وإنه هايخد القيمة الحضارية دي ويوديها لبلده علشان تكون أحسن!

طبعًا لك أن تتخيل عزيزي القارئ شعورك كمصري وأنت بتتفرج على شخص \”أمريكي\” بيلف دول العالم علشان يدور على قيم وأفكار من شأنها تطوير بلده على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي وحتى القانوني!

تخيل شعورك كمصري وواحد أمريكي بيحسد أهل فنلندا على تطور منظومتهم التعليمية الهائلة.. بيحسد أهل فرنسا على اهتمامهم الهائل بطبيعة وقيم الوجبات الغذائية المقدمة للمدارس الحكومية قبل الخاصة، بل وهو بيحسد أهل \”تونس\” بسبب تطور قوانين حقوق المرأة لديهم!

شعور مؤلم بالتصاغر والتناقص أمام تطور حضاري رهيب، ودولة بحجم أمريكا نفسها تقف أمامه حاسدة.
المهم إني أفتكرت الفيلم ده النهاردة تحديدًا بسبب موضوع \”مهند إيهاب\” الشاب المراهق اللي مات من يومين بسبب مضاعفات سرطان في الدم أصيب به في السجن، وتم تجاهل علاجه \”عمدًا أو إهمالا\” مما أدى لمضاعفات تسببت في موته.

عقب وفاته كانت بوصله التعاطف ماشية في إتجاه واحد، وهو وحشية النظام وإدارة السجون في التعامل مع المساجين مهما كانت جريمتهم. وبعد البحث في بروفايل \”مهند\” تم اكتشاف أنه كان يحمل أفكارا \”داعشية\” ومتطرفة وعنيفة، وهنا بوصلة التعاطف أختلت وانقسمت لإتجاهين.. بين مُصر على التعاطف بسبب أنه مهما كانت أفكاره وجرائمه هناك حد أدنى لحقوق الإنسان يجب مراعاتها، وبين اللي شايف إنه متطرف وقاتل ولا يستحق التعاطف!

إيه بقى علاقة الفيلم بالموضوع ده؟

مايكل مور في الفيلم ده قرر الانتقال للنرويج علشان يدرس النظام الإنساني لسجونهم، فقرر زيارة أشهر سجنين في النرويج، منهم سجن اسمه \”سجن هالدن\”، وهو يعتبر سجن شديد الحراسة عرض من خلاله أفكار إدارة السجون هناك في إعادة التأهيل الحقيقي، وأن عقيدتهم في مسألة السجن أنه \”عقوبة لسلب الحرية فقط\”، ولا أي شيء آخر.

وبالتالي أي مسجون مهما كانت عقوبته، لازم يحصل مش بس على كافة حقوقه الإنسانية، بل إنه كمان لازم يعيش جوه السجن زي أي مواطن حر عايش برة السجن!

حتى الحق في التصويت، لدرجة إن السياسيين بيعملوا مناظرات بينهم في السجون! وبيقدروا يتعملوا فنون ويدرسوا ويطوروا نفسهم بشكل حقيقي.

أما بخصوص السجن نفسه، بيتم عرض كافة وسائل الراحة والرفاهية في السجن، فكل زنزانة فيها تليفزيون وتلاجة مكتب وأي حاجة يطلبها المسجون تتوفر له (ممكن يجيبوله دي ڤي دي عادي على فكرة).

بالإضافة لصالات الألعاب والموسيقى والمطابخ اللي بتقدم أفخم أنواع الأكل، وبيكون فيه يوم في الأسبوع حر.. المساجين بياكلوا فيه اللي نفسهم فيه! اللي هو الفنادق عندنا مافيهاش القدر ده من الرفاهية!

كل اللي فات ده مش هو المهم.. المهم هو السبب الرئيسي لزيارة \”مور\” للسجن ده تحديدًا، هو \”أندريس كيرفيك\”، وهو مسجون محكوم عليه بالسجن لإرتكابه مذبحة وصفت بأنها الأكبر في تاريخ النرويج منذ الحرب العالمية الثانية.

\”كيرفيك\” وهو شخص متطرف يحمل أفكارا نازية، اقتحم معسكرا لشباب \”حزب العمال النرويجي الحاكم\” في جزيرة صغيرة اسمها \”أوتايا\” وفتح النار بشكل عشوائي، قتل فيه ما يقرب من 60 شخص أغلبهم أطفال مراهقين!

مور صور مع والد أحد الأطفال دول واللي كان معاه على التليفون حين مقتله، وسأله مور عدد من الأسئلة المحددة ذات أهداف موجهة.

سأله: هل كان نفسك إن أبنك يكون معاه مسدس بدل التليفون؟

قاله: لأ.. كان نفسي يكون بيعرف يعوم، علشان كل الولاد اللي عرفوا يعوموا نجوا وعاشوا.

رجع سأله: طب أنت مش نفسك تقتل الشخص اللي قتل أبنك؟

قاله: لأ.

سأله: بس ده قتل ابنك!

رد عليه: أيوه عارف، بس أنا مش عاوز أقتله.. مش عاوز أنزل لمستواه.. مش عاوز أخل بالنظام اللي فيه دولتنا.

رجع سأله تاني: يعني أنتوا ماعملتوش قانون طوارئ تحموا بيه نفسكوا من هجمات إرهابية تانية؟

قاله: لأ.. إحنا كلنا من أول العيلة الملكية وإدارة الدولة وحتى الإعلام، قررنا إننا نواجه الحادث ده بالمزيد من الديموقراطية والانفتاح وتقبل الآخر والتحاور معاه.. أي حاجة غير كده مش هاتؤدي غير لمزيد من الكراهية.. ده بس هو الضامن لعدم تكرار ما حدث!

لكم أن تتخيلوا! سفاح متطرف قتل في دقائق معدودة 60 نفسا، وكانت عقوبته السجن بين 10 سنين لـ 21 سنة (علشان ده الحد الأقصى للسجن حسب القانون النرويجي) في منشأة يعامل فيها بشكل إنساني ومرفه!

مبدأ صعب الاستيعاب بالنسبة لحد عايش في منطقة زي منطقتنا.. صعب الاستيعاب من ناس قررت إن شاب مراهق متخبط المشاعر والأفكار غير ناضج يستحق الموت البطئ لمجرد (إعتناقه أفكار متطرفة) مش ممارستها حتى!
في نهاية الأمر.. أوصي بشدة بمشاهدة فيلم Where to invade Next من خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي.. وأحذر.. الفيلم ممنوع على أصحاب القلوب الضعيفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top