\”بؤبؤ العين الذي لا يرى إلا النور.
سوسنة القلب التي تنفطر لدمعة طفل.
\”من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر\”.. جملة مربكة ومحيرة، فهي تضع الإنسان أمام نفسه وجها لوجه، تضعه أمام ضعفه، وخوفه، وخطاياه وأخطائه، تحمله على الذوبان في جليد نفسه حد التلاشي؛ هكذا كانت تقول.
وسط القذف المتوالي في الشارع المبارك، كانت تنظر إلينا وملئ عينيها أمل، كنبي يبشر بالجنة قبل الموت وبعده، كملاك أبصر قدره فقرر أن ما تبقى لا يستحق الحذر، ثم يعلو صوتها بالهتاف.
في غرفة مظلمة بقلب الليل تجلس وحدها تداعب ما تبقى من حلمها، وتجدل ضفائر الحزن ولا تدري متى ستقتلها، تترامى الأسئلة في عقلها الصغير وتختفي الإجابات، تدرك أن الهوى سبب الهوى وتنشد \”كُنَّا نحبكِ، يا ابنتي، والآن، نعبدُ صمتَك العالي. ونرفعه كنائس من بَتُوْلا. هل كنتِ غاضبةً علينا، دون أن ندري. وندري\”، ينفرط عقد الدمع من عينيها المتورمتين كخيط شق خطا في خديها المتوردين بالحياة فأطفأ ظل نورها وتختم: \”والله ما جئناك يا وطني إلا لنشرب نخب حسرتنا\”
ومضات من ماضي ولى تتسرب إلى ما تبقى من روحها، فترفعها إلى السماء الثامنه فوق كل الحدود وخلف كل الحواجز، أناس قلوبهم ملؤها الحب يطوفون في حرم الحرية يهتفون وينشدون ويرفعون صوتهم بالغناء في الزمن الذي احترف فيه مغتالو أصوات البلابل ثم، ثم لا ثم، انطفأ نور السماء قسرا واندفع الظلام ليكسي العقول ومن قبلها القلوب والأرواح، تعالت الطلقات من كل صوب، والدماء تروي ما تبقى من الحلم.
عينيها تملأها دموع قد تحجرت، تسير إلى المجهول بخطى ثابتة، لا تنظر خلفها فقد احنى ظهرها الحزن فلم يبق منها شئ، يتوقف الدمع فجأة، لتعلم أن ما تبقي لن يكون سوى الوداع، ولكن من تودع؟ حزنها الدامي، ورفقاء جرت عليهم عجلات دبابة حربية فتهتكت من تحتها لحومهم وتكسرت العظام، من تودع؟ أشباح تطوف من حولها وأحبابها خلف القضبان، من تودع؟ ازهارا من قرنفل قد قتلت عمدا بعد أن منع عنها الكافرون ماء الحياة فذبلت، آن لها الآن أن تذبل أيضا فما تبقى ههنا لا يستحق العناء، ما تبقى هنا لن يمنع الحزن عن الدوام، ولن يوقف الطوفان، ولن يمنح الشفتين ابتسامة تغرد كما كانت يوما.