أحمد سمير يكتب: بأي ذنب قُتلت؟

النسوة في بلادنا بائسات حين يبتسمن ويمنعن الضحك أدبا! بائسات حين يحزن ويمنعن الدمع قهرا، بائسات حين يردن الحياة فتُحجب عنهم قسرا، بائسات حين يرضين بالذل، وبائسات حين لا يرضى الذل بهن، بائسات حين تتملكهن نظرة الخزي بعد الثلاثين، وبعد الثلاثين -كما يدعون- تتبدل الأحوال، وكأنها كانت من قبلها معتدلة! بعد الثلاثين تثقل الخطى، وتستوحش العيون حين تلتهم الجسد بنظرة الأسى، بعد الثلاثين يُبطِئ القلب في نبضه، وتخفت الروح في محبسها تمهيدا للذبح، في الماضي كانوا يستجدون النهر أن يمنحهن الحياة بأن تُرمى فيه امرأة جبرا، والآن ترمي النساء أنفسهن بالنهر هربا من الجحيم، والآن يفترسون امرأة لأنها رغبت بالحياة، لأنها حلمت بجناحين من أزهار تطير بهما فوق القبح، وفوق الوحشة، حلمت أن تجري ليلا على شاطئ البحر عارية وحدها، تحتضنه وتبكي، فيجفف الدمع وينشد لها الأغاني.
النسوة ههنا يملأهن الفراغ ويحوطهن من كل الجهات فلا يجدن دونه ملاذا، يستجدين الرجل أن يمنحهن كسرة من حرية، ثم يخرج للتباهي في العوالم، يا للوقاحة! النساء في بلادنا يخشين المرايا، لأنهن يرين فيها وجها ساكنا، وعينين ذائبتين، وجسدا أهلكه الاغتصاب باسم الإله، النسوة في بلادنا حين يقفن مصادفة عرايا أمام المرآة يسارعن بتغطية أجسادهن، لأنهن جُبلنَ على أن أجسادهن حرام.
النس ههنا يعشن وسط صدق كاذب وكذب صادق، بعضه باسم الإله وبعضه باسم الخوف، وبعضه باسم الأموات، ليدور العالم من حولهن وهن ساكنات ساكتات، تعودن الصمت وتعود الصمت عليهن، حتى صار الصمت كالدودة التي تأكل ارواحهن وما تبقى من الأحلام.

لو تدرك النساء أن السماع إلى ما يأتي من داخلهن أولى، أصواتنا هي ذكرياتنا، وهي ما تبقى منا فلو أنصتنا إليها حق الإنصات لاختفى الظلام الذي يعيقنا عن الحراك، وتبدل من فوره إلى شموس، لو أنصتنا إلى أصواتنا دون غيرها سندرك من نكون، وما نريد من تلك الأيام، سندرك أن ما نلطخ به أرواحنا وأوجهنا من مساحيق هو حتما إلى زوال، ولن يتبقى لنا إلا أنفسنا، سندرك أن مواجهة الذات قادمة قادمة، فيجب أن نعد لها العدة قبل فوات الأوان.
في الصغر كانوا يرتلون بعقولنا آيات بعضها قد نُحت بأدمغتنا وصار اليوم يحكم نظرتنا للعالم ولأنفسنا من تلك الآيات: \”وإذا الموءودة سُئلت. بأي ذنب قتلت\”

اتذكر الآن تلك الآية وأتعجب، حتى الاخرة يحرم علينا فيها الصراخ ويجب علينا أن ننتظر أن نُسأل فنُجيب!

علمونا في الصغر أن الوأد هو أن تدفن المرأة حية في رمال الصحراء اللاهبة، لكنهم لم يخبرونا بأن الوأد يشمل الاغتيال المعنوي كالاغتيال الجسدي سواء، لم يخبرونا بأن الوأد يشمل العيون التي تنتهك أجسادنا فرادى وجماعات، لم يخبرونا أن الوأد يشمل السجن بالبيت وتحريم العمل وتحقيق الذات، لم يخبرونا بأن الوأد يشمل الوحدة التي تمتص ما تبقى في الروح من أمل، فتجلس المرأة في هزيج الليل لتصنع شرنقتها علي مهل ثم يدهسها الرجل بأقدامه العارية على سرير المتعة، كلنا مؤدات كل على علته، وكلنا يجب أن نفكر مليا لنعلم كيف سنجيب عن هذا السؤال: \”بأي ذنب قُتلت\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top