أحمد سعيد يكتب: المشي في شوارعنا الهادئة

(1)

ورجعت أمشي في شوارع القاهرة تاني.. وبدأت استرجع مهارات كتير لازم تكون عندك للتجول في أنحاء المحروسة.

أنا بحب أمشي عكس أتجاه سير السيارات, عشان أحيانا بيختفي الرصيف، فاضطر أنزل نهر الطريق (الشارع يعنى), وفي الحالة دي أفضل أني أشوف الخطروهو جاي من قدامى, أحسن بكتير من أني أمشي والخطر جاي من ورايا وماشفوش, لأن دايما الأمر ميسلمش من حد بياخد غرزة كده ولا كده، فالغالب في مصر بيفضلوا ياخدوا الغرزة من اليمين؛ ودا لأسباب كتير منها أن العربيات البطيئة بتفضل السير في الحارة الشمال, أو إن العربيات بتكون على الحارة الشمال عشان تتفادي عربيات (تاكسي أو ميكروباص أو أتوبيس أو توك توك أو حتى عربيات خاصة) واقفة في الحارة اليمين بتنزل ناس وبتركب ناس, وهنا هواة الغرز بيقرروا يسقطوا نقلة ويزودوا السرعة ويتشاهدوا, وينزلوا الحارة اليمين ورجلهم بتهرس دواسة البنزين, على أمل يلحق يتجاوز العربة على يساره قبل الاصطدام بما هو كائن في الحارة اليمين.. ولستر ربنا (وإحنا كلنا ماشيين بالستر) في الغالب المحاولة بتنجح, أما لو فشلت فالكل بيقرأ عن فشل السائق تاني يوم في صفحة الحوادث (مصرع سائق وخمسة آخرين وأصابة سبعة في شارع مكرم عبيد).
(2)

وارجع واقول من تاني إني بحب أمشي عكس اتجاه سير السيارات, عشان أقلل فرص الغدر بيا, وأشوف الخطر وهو جاي قدامي وأحاول أتعامل معاه (اتعامل معاه دي تحس أنه جو ضباط وداخلية وإرهابيين وكده يعني).
على سبيل المثال (لا الحصر) مرة كنت ماشي على الرصيف, ولأن فيه شخص عبقري تفتق ذهنه أن أحسن مكان لركن سيارته هو الرصيف بالطول (أيوة بالطول يعني يركن عمودي على الشارع والرصيف) وبكده يكون سد الطريق قدامي, فاضطريت ألف حول سيارة معالي الباشا (أكيد باشا لأن الرصيف بتاعه ويمكن الشارع, ما هو مش هيركن كده ومأمن العقاب إلا لو كان باشا أو باشا سابق على الأقل), المهم لما نزلت لنهر الطريق (قلنا يعني الشارع) لقيت عربية نص نقل جاية قصادي ومحملة حاجات كتيرة, بصعوبة لأنه ماشي بسرعة لمحت بروز من جانب سيارته, ماسورة ما في الغالب, وكادت أن ترشق في صدري, لولا أني رميت نفسي لورا (زي كيانو ريفز في فيلم ماتركس لما كان بيتفادي طلقات الرصاص) وعدت الماسورة من فوقي بالظبط. للأسف ماكنش حد واقف يصور, كان مشهد سريع لكن لما يتعرض بالبطىء على الشاشة هيحبس الأنفاس, قمت بنفض هدومي وببص ورايا, شفت وش سواق العربية في مراية العربية زعلان, تقريبا عشان خسر ضحية أو هدف, أعتقد كان بيحاول يجيب هاي سكور وأنا أحبطت محاولته, لكن ربنا عوضه بعد كده بكذا واحد كانوا ماشيين في اتجاه الطريق, وبالتالي كان بيجي يخبطهم من وراء.

(3)

المشي على الرصيف نفسه بيحتاج مهارات بدنية عالية, يعني ممكن عادي تلاقي ناس جايين قدامك ومش سايبين لك مكان تعدي منه, وبالتالي بتحتاج تدخل فيهم بكتفك وتخبط جامد (كأنك بتلعب افتحوا لي الباب ده بس هما مش بيردوا الجاموسة والدة). وممكن كمان تلاقي عربيات راكنة على الرصيف بالطول والعرض والورب, فتقعد تقفز فوقهم.. وتزحف تحتهم.. وتستخدم أطرافك الأربعة (كأبرع لاعب باليه) ولما توصل للنهاية تتدحرج على ظهرك وتنتفض قائما وتكمل الطريق عادي, وانت بتنفض التراب من هدومك بغض النظر عن بعض الخدوش والسحاجات والكدمات (دي كلها شكليات).

(4)

ولأني بسوق فأنا متفهم أن سواقين العربيات دايما بيجروا بسرعة, وبياخدوا غرز.. إحساس إنك جاسوس في أرض الأعداء, والكل بيطاردك, وإنك ممكن يتقبض عليك وتتعذب، وإحساس إنك رايح تنقذ حياة مريض والدواء اللي هايشفيه جنبك ولازم ياخدوا خلال خمس دقايق (رغم إنك في الحقيقة مهندس وراجع بيتكم تتغدا)، وإحساس إن معاك قنبلة هتنفجر خلال دقايق وإنك هاتضحي بنفسك ولازم تبعد عن الزحمة في ثواني (عشانهم هما مش عشانك)، وإحساس نقحة الكرامة في أن مينفعش أساسا تسمح لحد إنه يتجاوزك, ومايصحش تكون لسه معلم عليه وعامل فيه غرزة معتبرة فهو يسخن معاك وتطلب معاه يعدي منك (عشان عيبة في حقك لو عملها).

كل الأحاسيس دي وغيرها أنا متفهمها تماما, ومتفهم ضرورة قاعدة (الإشارات الضوئية تكشف نواياك للأعداء.. فلا تستخدمها), وكمان إحنا معندناش رفاهية الوقت اللي هنرفع فيه عصا الإشارة جنب الدريكسيون وننزلها, الوقت بفلوس يا ناس, لكن رغم كده تلاقيني وأنا ماشي على رجلي ينتابني بعض الشعور بالاستياء -أحيانا.. مش دايما والله- قصاد ظاهرة عدم الإفصاح عن الاتجاه بالإشارات الضوئية (يمين أو يسار), لأني زي أي مواطن طبيعى, لما أحب أعدي نهر الطريق (قلنا خلاص يعني الشارع) ببقى عايز أراوغ العربيات عشان أعدي الطريق, وأظن أن معرفة الاتجاه اللي هتروح فيه السيارة هيسهل عليا الموضوع ده, بدل ما اقعد استنتج وساعة تصيب وساعة (فرملة حادة) حاسب يا حمار.

(5)

الموضوع دا بيضايق كتير.. إنك تحاول تستنتج وتخمن وتتوقع العربية هتروح أنهي اتجاه. يعني مثلا لو كنت ماشي على رصيف بعد كده قابلك طريق جانبي, وأنت عايز تعدي للناحية التانية, والعربيات بتتدفق من الشارع الرئيسي للشارع الجانبي بدون ما يكونوا مشغلين الإشارات عندهم كالعادة (وربنا ما يقطع لينا عادة), وكل عربية بتيجي بسرعتها وتنحرف إلى الشارع الجانبي, وأنت واقف مستني.. مستني.. مستني.. ومنتظر فرجة بين تدفق العربيات عشان تفتح ع الرابع وتجري تعدي الناحية التانية, ومستني.. مستني.. مستني.. وتحس إن فيه فرصة, وتيجي تعدي تلاقي عربية داخلة الشارع, تقوم تتشقلب وتنط لورا (كما كنت يا عسكرى). أظن هيكون أفضل لو عربية أو اتنين (مش لازم كلهم) شغلوا الإشارات عشان يحددوا لي مين اللي داخل الشارع الجانبي ومين مكمل في الشارع الرئيسى.. إنما كل السواقين معتبرين إن أنا باعرف اقرأ الأفكار كويس, ومعتمدين على إني عارف خط سيرهم كويس، نظرا لقدراتي على معرفة الغيب والطالع وابين زين ابين, وكمان بيكونوا متوقعين إنهم شخصيات معروفة ومشهورة, وأكيد معروف إن ده رايح يلحق الغدا عند حماته, وده نسي مفتاح البيت وراجع يجيبه, وده رايح يلحق بولة الاستيميشن مع أصحابه على القهوة قبل ما يبدأوا من غيره ويضطر يقعد يتفرج لحد ما تخلص أو يمسك لهم الاسكور، وكل المشاوير المهمة دي اللي كلنا بنعملها وفي الغالب بنكون متأخرين في عمايلها.
(6)

للأسف فترة سفري أثرت على قدرتي على قراءة الودع وفتح المندل وتقديري لكل عربية رايحة فين وجاية منين, عشان كده أنا حزين على اللي خسرته بسبب سفرى؛ شقا عمري في التماهي مع عبثية الطرق عندنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top