أحمد رجب حسن يكتب: افتح بنموت.. على هامش المجزرة  

افتح بنموت.. كانت هذه هى آخر الكلمات التى نطق بها شهداء مذبحة الدفاع الجوى.. كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان على القلب؛ مشهد لا يستطيع أن يخرجه كبار مخرجى هوليود؛ قفص حديدى به الكثير من البشر من مختلف الأعمار، ومن الجنسين، لا يستطيعون الخروج، ويتساقطون الواحد تلو الآخر من الاختناق، دون أن يكون هناك سبيل للنجاة.

أن تموت فهذا قضاء وقدر، لكن أن ترى الموت قادما ويحصد أشخاصا قبلك، وأنت لا تستطيع فعل شيء سوى أن تنتظر دورك، فهذا شيء يصعب على أى بشر أن يتحمله، فحينئذ أنت قد تجرعت الموت قبل أن تمت، ولا اعرف سببا لكل هذا الحقد والمغالاة فى العداوة، فيكون الانتقام من جمهور كرة بهذه البشاعة والقسوة!

افتح بنموت.. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى نسمع فيها هذا النداء – وآسفا لن تكون الأخيرة- بل سمعناها من قبل يوم أن لقى أكثر من سبعين شهيد من الألتراس ربهم فى مذبحة ستاد بورسعيد.

افتح بنموت رددها مشجعو النادى الأهلى عند بوابة الاستاد أو بوابة النجاة بالنسبة لهم آنذاك؛ كانت محاولة أخيرة منهم للنجاة، فاستغاثوا بالجناة لعلهم يرحموهم أو يرحموا توسلاتهم فى فرصة أخيرة للنجاة، لكن لم يستمع لندائهم أحد، فالكراهية قد أصمت الآذان، بل زادوا فى الانتقام واغلقوا الأبواب من الخارج.

فى الدفاع الجوى كان عقاب الهتاف هو الموت، وفى بورسعيد أيضا جريمتهم الهتاف وعقابهم الموت والجانى فى الحالتين واحد.

اختلف الزمان واختلف المكان، والموت واحد والجانى واحد، والضحية وطن تمزق.

افتح بنموت.. كانت هى لسان حال أهلنا فى غزة أثناء القصف الإسرائيلى عليهم.. افتح المعبر بنموت، لم ينطقوها، لكننا سمعناها.. اغلقنا عليهم منفذ النجاة الوحيد، فتركناهم بلا طعام أو مساعدات طبية؛ حالات كثيرة لقت ربها عند المعبر، وهى تنتظر أن يفتح حتى تأتى لتلقى العلاج؛ حالات إنسانية كثيرة لم تجد أى نوع من الإنسانية فى التعامل معها.

لا ادرى لمّ كل هذا العداء والاستعداء لأهلنا فى غزة؟ هل هو إرضاء لعدونا وعدوهم – هكذا يفترض أن يكون- فبرغم المعاهدات والاتفاقيات هو عدونا وسيظل.

هذه المرة أيضا الجانى لم يتغير، لكن ما تغير هو عدد ضحاياه، فهذه المرة الضحية شعب بأكمله كان ينتظر التصرف الطبيعى ممن يفترض أنهم أخوة لهم، بل وقبل ستين عاما من الآن كانوا شعبا واحدا لا يفصلهم حدود؛ لكن كعادته- الجانى- اغلق أذنيه وقلبه ولم يستمع لنداء أحد.

افتح بنموت.. هذه المرة هى لسان حال الشعب المصرى؛ افتح عقلك بنموت؛ افتح قلبك بنموت؛ افتح عقلك واستمع لنصائح من هم أهل لها قبل أن تغرق المركب بنا جميعا – وها هى قد أوشكت على ذلك- افتح عقلك وادرك أنك تسير فى الطريق الخطأ؛ افتح قلبك وتصالح مع نفسك أولا حتى ترى الاشياء فى مواضعها؛ افتح قلبك وكفاك حقدا وكراهية وانتقاما.

افتح بنموت.. تغيرت مواضعها وظروفها، وظل الجانى واحدا، والموت أيضا واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top