الموضوعات قليلة، والتناول بهذا الشكل مجرب ومضمون النتائج. لا يحتاج الأمر سوى أن تستعيد من أرشيفك نسخة المقال المعد للمناسبة سنويا وتعيد تنقيحه بما يناسب العام الجديد وتضع –إن سمح الوقت- عنوانا مقتبسا من اسم مسلسل أو اثنين من المعروضين في رمضان.
لا نقد فني ولا تناول حقيقي لما قدمته الدراما هذا العام. فالجميع بدأ بعد حلقتين أو ثلاثة ذات التناول المدرسي للأعمال الفنية المعروضة من منظور أخلاقي مع ترديد الاسطوانة التاريخية \”الإساءة لسمعة مصر\” التي عادت إلينا من زمن مبارك مرة أخرى.
بين غضب صناع الدراما ومطالبتهم بتقدير أعمالهم ومجهوداتهم، وبين الهجوم الأخلاقي المكرر، غابت الاصوات التي تريد تحليل التطور والتغير الذي طرأ على الدراما المصرية سواء من ناحية الصورة أو مستوى الكتابة في القصة والحوار، أو الانتماء إلى مدارس الواقعية أو الجمالية أو حتى تناول ظواهر متعددة كالدراما التاريخية ومدى نجاحها في مصر، أو الانفاق الضخم وما أسفر عنه في مقابل البطولات التي أفردت لشباب أو مجموعات جديدة حتى أصبح النص أو المخرج هو البطل، فحاز نجاحا غير متوقع.
صباح الأربعاء خرج مقال لأحمد المسلماني المستشار الإعلامي السابق لرئيس الجمهورية المؤقت في الصفحة الأخيرة من \”المصري اليوم\” هاجم فيه كل الدراما المصرية بكلام عام يظهر أنه لم يشاهد المسلسلات أصلا، فهو لم يستشهد بأي عمل من الأعمال التي اتهمها بأنها \”المسلسلات الإجرامية التي تحمل رسالة واحدة من كلمتين.. المجد للمجرمين\”
كرر المسلماني ما يكتب سنويا عن مشاهد الخمور واظهار المصريين وكأنهم \”منحلين\” و\”بغايا\” دون أن يشير إلى اسم مسلسل واحد شاهده أو أن يقيم عملا من هذه الأعمال بشكل فني، ولكي يغير بعض الشيء ويوحي بخطورة الأمور اعتبر ما يحدث \”حرب منظمة لتدمير المسيرة\”، ثم وصل به الأمر إلى اعتبار صورة الدراما المصرية الآن أخطر من إسرائيل والإرهاب! قبل أن يختم المقال بـ \”حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر\”.
في ذات اليوم كانت في صفحة واحدة من مطبوعة الشرق الأوسط ثلاث مقالات عن مسلسل \”سيلفي\” السعودي، تناولت العمل من ثلاث زوايا إحداها لحمد الماجد الذي رأى العمل بنفس الشكل التقليدي الذي يشبه الاتهام المعتاد للصحافة إذ قال إن المسلسل \”يقدم الظاهرة ولا يقدم العلاج\”، بينما أشادت أمل عبد العزيز الهزاني بكاتب المسلسل وببطله وبجرأة تناول واقع داعش وما ارتكبه التنظيم من جرائم رغم التأييد والتبرير لأفعالهم من بعض الجهات، وكذلك فعل حسين شبكشي الذي ركز على تطور المعالجة وكيف كان المسلسل محاولة جديدة ناجحة – حسب رأيه – في سلسلة التعامل الدرامي مع الظاهرة مستشهدا بأعمال \”الإرهابي\” و\”العائلة\” و\”الحور العين\” و\”ما ملكت أيمانكم\”.
سمح الوقت بمتابعة مسلسلات تنوع مستواها الفني حتى الآن بين الواقعية والإجادة في مستوى الحوار بين الشخصيات كما في \”حواري بوخارست\” أو سرعة إيقاع الأحداث وجاذبيتها كما في \”ظرف أسود\” أو تميز النص مع حسن اختيار الممثلين ووضوح رؤية المخرج في توجيههم كما في \”طريقي\” أو جرأة الفكرة ومعالجتها كما في التعامل مع كواليس الإعلام والفضائيات وتحكم رجال الإعلانات في مضمونها في \”لعبة إبليس\”.
على الجانب الآخر اتضح الاستسهلال في أعمال فنية كان لها نصيب كبير من الاحتفاء وتخصيص الميزانيات الضخمة كما في \”ألف ليلة وليلة\” و\”حارة اليهود\”، اللذان خرجا بمستوى متواضع من التنفيذ والكتابة، لا يتناسب مع حجم المتوقع منهما.
يبدو كثير من المثقفين المصريين في تعاملهم مع ما يجري من حولهم كالرجل في إلإعلان الشهير، وهو يخاطب طه عن \”سكنشايزر\” و\”البركة\” والنحلة ببزوز\” و\”الأيام اللي كانت حلوة\”.. لا يبدو أن أي منهم على اطلاع بما يجري في الدراما العربية، ولا لديهم الوقت لمشاهدة الأعمال الفنية التي تستحق نقدا وتناولا جادا وعميقا يبين ما فيها من أوجه قصور أو تكرار أو تأثير الإعلانات والاحتكار على الصناعة أو حتى الإشارة إلى ما جرى فيها من تقدم إيجابي على مستوى الصورة، لم يخرجوا من أسر الغزل في الماضي وتذكر \”ليالي الحلمية\” ومسلسلات \”ونيس\” و\”رأفت الهجان\”، وترديد نظريات التعامل مع الدراما من منظور أنها القوة الناعمة وصورة مصر التي ينبغي أن تبقى جميلة على الشاشات، وكأن المشاهد مغيب لا ينزل إلى الشارع أو يشاهد الصور والتقارير أو يسمع قصص الناس بنفسه.. أو حتى يقرأ صفحة الحوادث يوميا كما يجدر بصحفي وكاتب.