أحمد خالد يكتب: اللا مبالاه!

تقرأ مقالا كتبه صحفي شاب، في الثلاثينات من عمره، يتحدث عن زيادة لا مبالاته في الحياة تدريجيا، وأنه أصبح لا يهتم كثيراً، لا يهتم كثيراً بأي شئ.

أنت في أوائل العشرينات، تجد نفسك ذات الشخص اللامبالي الذي تحدث عنه الصحفي، ولأنك لم تعد تبالي بأي شئ، لا تعقب وتقول لصديقك الذي أرسله إليك: “عادي، إشطة”.

ممثل في الستينات أو السبعينات، لست مهتما، يسأل: ماذا قدم الشباب اللي عنده 20 و 22 سنة لمصر؟

شاب يكتب مقالا، هذه المرة في مثل سني، يشرح له ماذا يفعل الشاب في هذه السن عادة، وحكى عن تجربته الشخصية، تخبر لصديقك الذي أرسل لك الرد والمقال -ذات الشخص السابق- “المقال أسلوبه كويس بس السرد زيادة عن اللزوم.” وتصمت، أنت لم تعد تبالي.

يحدثك أحد أصدقائك بشغف عن مقال قرأه لأحد الكتاب، ويسألك: “قريتها، ده علّم على السيسي جامد”، مبتسما “لأ ماقريتهاش، فاكس”.

“العاصمة الجديدة مشكلتها أنها على طريق السخنة، الواحد كان بيحب يقعد هناك في هدوء، بس كده الطريق هيتزحم”.. شخص ما.

************

في مرحلة ما تدرك أنه لا أمل في البلد، ستهتم بعشقك القديم، كرة القدم، فيموت 20 من جمهور الزمالك، بعد موت 74 لجماهير الأهلي في آخر مرة لُعب فيها الدوري، تشعر بتأنيب ضمير في كل مرة تشاهد المباراة، على الأقل، وفي أحسن تقدير قل الشغف كثيرا، لم تعد تبالي، تهتم بالكرة الأوروبية بشغف كبير ولا تبالي مرة أخرى.

***********

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء:97].

في هذه الآية الأمر واضح، أنتم مسلمون ولكنكم لم تهاجروا مع الرسول، حاربتم مع الكفار ضد المسلمين وقلتم مضطرين، لا لستم مضطرين كان يمكنكم الذهاب مع الرسول إلى المدينة، أرض الله واسعة.

أين المدينة هذه الأيام؟

*****************

في أحداث محمد محمود على مشارف الميدان أختي على الهاتف:

“أنت فين يا أحمد؟”

“أنا راجع في الطريق أهو”

“إيه الدوشة دي؟”

“صوت المترو”

“طيب المترو فين؟”

“في المعادي”

********

أحد الأشخاص يحاول إقناعك ببطلان فكرة تواجد الناس في محمد محمود لأنهم يلقون بأنفسهم في التهلكة، يحاول إقناعك لأن الشيخ محمد حسان والشيخ صفوت حجازي بصفاتهم شيوخ ثقات لم يذهبوا.

تتذكر شباب الإخوان في تلك الأيام، أحدهم يقود الهتاف في الكلية، آخر يجمع معك أموالا للمساعدات الطبية، وآخر يسخر منكم جميعا، بعدها بأيام يحدثك عن دهاء الجماعة السياسي.

بعدها بأسبوعين امتحانات الميدتيرم.

**********

تذكر صديقك الذي يرافقك دائما في فترة الكلية في كل شئ، لم تعودا تتقابلان كثيرا، أصبحتما مختلفين جذريا في الأفكار، عندما تتقابلا، في تلك المرات التي تتقابلا فيها تتجنبان الحديث في مواضيع معينة، لأنكما مختلفان ولا تريدا الشجار، أو لأنكما لا تريدا أن تتعمقا فيما تفكران، تريدان المحافظة على سطحية الأفكار المتبادلة كما أصبحت علاقتكما.

*******

تحضر مسرحية عادية تتحدث عن أجيال الثمانينيات والتسعينيات.

تعود منبهرا بما قدموه، لمجرد أنهم قالوا بعض الأشياء التي تمسك، منبهرا لدرجة أنك كدت تبكي في مشاهد، وعندما تعود لا تجد سببا منطقيا.. المسرحية عادية!

*******

تسهر لقرب الفجر لتلعب قليلا على الكومبيوتر الخاص بك، يبدأ فض رابعة، الشئ الوحيد الذي تتذكره وقتها أصدقاؤك من شباب الإخوان الذين تعرفهم جيدا وتعرف أنهم هناك وتعرف أن بعضهم قطع علاقته بك لأنك كنت معارضا لمرسي، وتقوم بسؤال المعارف المشتركين عنهم طوال اليوم وعن ما حدث لهم؟ تعرف أن بعضهم مقبوض عليه وبعضهم مصاب، ولكن لم يمت أحد من معارفك المقربين، ثم بعدها بأسبوع تكتشف أن أحد أقاربك من بعيد قُتِل هناك.

يبدأ الأصدقاء الخلافات على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ينتشر البلوك في أرجاء المكان، تخرج من المعركة بققد بعض الأصدقاء ولا تحزن على فقدهم، وتشعر لوهلة أنك وبشكل مفاجئ تدهسك دوامة الحياة، ويصبح الجميع مراحل تمر عليها وقد تنتهي لأي سبب مهما كان تافها أو سطحيا، وأنت تلعن غباءهم.

********

لماذا اللامبالاة؟

هذه الأسباب والمواقف التي أتذكرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top