بشكل شخصي، لا أخفي امتعاضي من طريقة تناول بعض المعارضين للنظام القديم الجديد في مصر لواقعة سيدة مطار القاهرة التي اعتدت على المقدم حازم فوزي، وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الفيديو الخاص بالواقعة أمس الأحد، وتلقفته وسائل الإعلام بعدها بدقائق، ولا أعلم على وجه الدقة هل العكس صحيح أم لا.
أعادت إليَ الواقعة ذكريات معارضي الإخوان وهم يستمتعون بتحفيل سما المصري على خصومهم بمشاهد رخيصة، ولا تفسير لدي في الاحتفاء بشرشحة الخصوم سوى جو الانحطاط العام الذي يخيم بظلاله على المشهد المصري عموما خلال السنوات الأخيرة.وبدلا من أن ننهمك في شئون المعتقلين ومحاصرة المجال العام تتشتت الجهود في قضايا سطحية من باب الكيد والغيظ والإفلاس.
على الجانب الآخر، مارست وسائل الإعلام هوايتها المعتادة في الردح والتعريض بالآخرين، فما فعلته سيدة المطار له ما يردعه في القانون ليس منه نشر صور خاصة بصاحبة الواقعة وفتح التعليقات أمام آلاف الغاضبين للخوض في سمعتها، وليس منه أيضا ردح الشتّامين الأمنجية على الفضائيات، عموما ستمر الواقعة وسيخرج كل طرف بما أراد، بداية من صاحب المقطع وحتى آخر المعلقين، لكن وعلى هامش القضية، توجد عدة ملاحظات جديرة بالذكر.
المقدم حازم فوزي، الطرف الآخر في الواقعة، احتفت وسائل الإعلام بسلوكه وانضباط أعصابه في مواجهة سيدة اعتدت لفظيا وبدنيا عليه دون أي رد فعل عنيف منه، بحسب ما أُتيح لنا رؤيته، فهل نفهم من ذلك أن إعلامنا المصون يعاني من انفصام وهو يدافع عن كثير من الضباط المجرمين الذين يسفكون دماء المتظاهرين السلميين بالشوارع، وينتهكون حرمات طلاب الجامعات، ويعتدون على المعتقلين، فمن غير المعقول أن يتم الاحتفاء بالشيء ونقيضه في وقت واحد، وربما في حلقة واحدة!
في تعليقه على الواقعة لوسائل الإعدام، قال الضابط إن \”تلك السيدة حاولت بقدر المستطاع إخراجه عن شعوره واستفزازه وافتعال أزمة والسباب والتعدي عليه بالضرب\”، إلا أنه قام بالسيطرة على أعصابه حفاظا على \”الشكل العام للدولة\”.
تصرف ممتاز بالطبع، فهل لنا أن نسأل لماذا لم يتحل الضابط الذي اقتحم شقة علاء عبدالفتاح بأخلاق زميله وبادر بالاعتداء على زوجته وسرق بعض مقتنياته في إطار تنفيذ أمر ضبطه وإحضاره قبل عام ونصف؟
ولماذا لم يسيطر الضباط الذين قتلوا 37 متهما داخل سيارة ترحيلات أبي زعيل على أعصابهم، في مأساة هي الأشرس منذ 3 يوليو 2013 حتى الآن، على حد علمي لم يخلع الضحايا ملابسهم للضباط، ومع ذلك لم يسيطروا على أعصابهم، ولم يحافظوا على الشكل العام للدولة، وقتلوهم بوحشية.
في مصر نحن نعرف أن الشكل العام للدولة يمكن الحفاظ عليه بضبط الأعصاب وبممارسة القتل أيضا!
يكمل الضابط معربا عن استيائه وحزنه الشديد من تناول وسائل الإعلام لفيديو اعتداء السيدة عليه، لافتا أن ذلك الفيديو جعل موقفه سيئا أمام أسرته، وأن بناته تملكتهم المشاعر السلبية لما شاهدوا تعرض والدهم لهذا الموقف، إلا أنهم تفهموا ظروف العمل.
هنا لا أستطيع سوى التعاطف مع رجل ضبط نفسه من أجل تنفيذ القانون، برغم أن زملاء له سربوا مقاطع تسجيل خاصة بنشطاء سياسيين لأحد المخبرين الذي قام بدوره في تشويههم والخوض في أعراضهم على الهواء، ولم تستطع كل القضايا المرفوعة ضده إغلاق فمه، غير أن أحد \”الواصلين\” فعل ذلك بمكالمة تليفون أغلق على إثرها برنامج \”السيادية تؤمر\”.
تفهمت أسرة الضابط الموقف مقدرين ظروف العمل، ولازالت أسر كثيرة عاجزة عن فهم التعريض بسمعتها، لمجرد أن شخصا ما قريب منهم قرر ألا يكون \”حمدين صباحي\”!
السيدة لميس الحديدي هي الأخرى أثنت على موقف الضابط مؤكدة على أنه لا يخرج إلا من شخص محترم تماسك أمام الاستفزاز احتراما للقانون والبدلة التي يرتديها.
حرفيا أتفق مع إشادتها بالرجل، غير أن المواقف المعلنة لها في عدد من القضايا المتشابهة تترك مزيدا من علامات الاستفهام والتعجب، خصوصا إذا عرفنا أن الإعلامية البارزة جزء أصيل من ماكينة الدفاع عن انتهاك حقوق الناس بدعوى الحفاظ على هيبة الدولة!
وإذا كان احترام البدلة يرتبط بالسلوك الشخصي، فأنا شخصيا شاهدت كثيرا من الضباط يوسخون بدلهم بالاعتداء على المتظاهرين، وآخرين امتلأت بدلهم بدماء السلميين الذين خرجوا للدفاع عن مستقبلهم.
هل تتذكر السيدة لميس كلمات أحد المتهمين في قضية ستاد الدفاع الجوي شاكيا للقاضي كيف أحضرت أجهزة الأمن زوجته وحاولوا اغتصابها أمام عينيه من أجل انتزاع اعتراف يدينه، فهل كان الضابط وقتها يرتدي \”بيجامة\” وهو ينتهك القانون حفاظا على بدلته؟!
في مصر لا يضبط رجال الشرطة أعصابهم إلا أمام سيدة منفلتة تمتلك جرأة خلع ملابسها في صالة المطار أو حمار يملك من الدهاء ما يكفي لصنع ثغرات أمنية.
طالما نتعامل مع القضايا المتشابهة بالقطعة ونكيل بألف مكيال، لن يحدث سلم اجتماعي أبدا، فلا يمكن فصل الأمور عن بعضها، خصوصا وأن القضايا تتشابك إلى حد التعقيد، وتناول هذه النقاط ليس من باب الاصطياد، فالجميع يعلم سلوكيات الداخلية وأولهم الوزير، وبالتالي لا مجال للمزايدة.
على كلٍ أرى أن المجال العام في المطار أكثر انفتاحا وحرية وتحضر، فهل يمكن أن يمارس المعذبون في الأرض حرياتهم وحقوقهم أمام مطار القاهرة! بالتأكيد المكان الذي تصالح مع حمار وصنع له ثغرة أمنية للمرور، لن يبخل على متظاهر بثغرة أخرى أو إضراب العمال بثغرة ثالثة، وتلك البقعة الطيبة التي شهدت الضابط \”ابن الناس الكويسين\” وهو يتعامل برفق مع السيدة التي كادت أن تخلع ما تبقى من ملابسها معتدية عليه، بالتأكيد لن تضن علينا بضابط يتعامل بإنسانية مع متظاهر يحمل لافتة \”عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية\”.