أحمد تاج يكتب: هيستريا!

في مكالمة غاضبة مع أحد الأصدقاء بعد أحداث \”الشيخ زويد\” الأخيرة عما آلت إليه البلاد ومن ماتوا غدرا، كنت أزفر حمما وأتحدث بغضب لم أعهده في نفسي، ولفت انتباهي استخدامي لكلمة \”هيستريا\” في وصف ردود الفعل على الأحداث، وأعتقد أنها كانت كلمة دقيقة وصفت ما كنت أراه فعلا.
\”اللي حصل ده إحنا كنا عارفين إنه هيحصل، وكنا مستعدين إننا نتحمل تمنه بس التسعين مليون يعيشوا\”
الرئيس عبد الفتاح السيسي.

حسنا.. نحن كنا نعلم، ثم ماذا؟ ماذا فعلنا لكي لا يحدث ويتكرر ذلك بشكل جعل الحديث عن الأمان و الاستقرار محض تهريج؟ للأسف من يموتون هم الـ \”تسعين مليون\” في الحقيقة! رجالنا من العسكريين والمدنيين الذين وقعوا ضحايا لكل ما يحدث في البلادن هم من صميم الـ\”تسعين مليون\”.. لماذا إذا لا نحاربه قبل حدوثه؟

\”يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين وإحنا مش هنستنى على ده، إحنا هنعدل القوانين اللي تخلينا ننفذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن\”

الرئيس عبد الفتاح السيسي.

هل الأزمة فعلا أزمة قوانين؟ هل الأزمة فعلا في النصوص ومواد القانون على الرغم من تأكيد الكثير من الخبراء القانونيين أن قانون العقوبات  قادر على مجابهة مثل هذه الجرائم؟
الأزمة ليست فعلا أزمة قوانين وإنما أزمة أمن، فالقوانين لم تمنع اغتيال النائب العام مثلا.

وضع جنود كفاءتهم ومعلوماتهم القتالية قليلة وخبراتهم محدودة هو الأزمة، استبادلهم بمثلهم بعد كل كارثة مشابهة هو الأزمة، إخلاء الأراضي وتفريغها من الأهالي والضغط عليهم وتجريدهم من أبسط الخدمات هو الأزمة.

الأزمة ليست في القوانين وإنما أزمة حلول غير مدروسة وغير عقلانية.

وعلى فرض أن الأزمة أزمة قوانين، هل القوانين التي ستصدرها السلطة المركزية في القاهرة ستؤثر علي الإرهاب في سيناء أو في مصر بشكل عام؟ هل ستحل المشكلة وسيندحر الإرهابيون ويعودون أدراجهم رافعين الرايات البيضاء؟ فعلا؟
لكن في نهاية المطاف من أنا لأشكك في حكمة سيادة الرئيس و نظرته الثاقبة، الرجل قال إنها أزمة قوانين، إذا فهي كذلك.
هي بنا نصدر قانونا للإرهاب – و بداخله نفس النصوص تقريبا التي رفضها مجلس الدولة سابقا لعدم دستوريتها –  وإذا رفضها مجلس الدولة مرة أخرى سنتهمه بالتقاعس واللين على الإرهابيين، ولتؤثر السلطة التنفيذية على السلطة القضائية كيفما شاءت والوداع للبقية الباقية من استقلالية القضاء.

\”أنا النهاردة لو أعدمت سبعة تمانية من القيادات، مرسي وبديع والشاطر والمجموعة دي كلها.. الموضوع انتهى خلاص!\”
الإعلامي أحمد موسي تعليقا على أحداث اغتيال النائب العام. 

فقرة أخرى من فقرات الهيستريا التي تصدر لنا، فلنقدم رؤوس هؤلاء كقرابين للشعب اتقاء لغضبه وللتغطية على فشل أعظم.

أنا متفهم جدا الضرورة الملحة للثأر والقصاص – وهو المطلوب – لكن استخدام كباش فداء لإسكات الناس أو ككروت ضغط، هو بربرية بدون أدنى تفكير.
لكن حسنا، هيا بنا نعدم مرسي وأعوانه حالا ولن ننتظر المحاكمات والقضاء ولنقطع رؤوسهم ونجول بها في الشوارع على أنغام \”تسلم الأيادي\”، هيا بنا نفعل ذلك.
لكن هل هذا هو الحل فعلا؟ المشكلة أعمق من \”سبعة تمانية من القيادات\”، وجعل الجمهور متعطشا للدماء سيضر الجميع وسيجعل فرص الإرهاب في الانتشار أقوى بكثير.. الإرهاب – بشكل عام – يصنع قوته من ضم  أكبر عدد من المتعطشين للدماء، ونحن بما نفعله نصنع إرهابيين بدون أن نشعر.
\”تصفية تسعة إرهابيين مشتبه بتورطهم في استهداف مركز شرطة ثاني 6 أكتوبر\”

هذا هو الحل إذا، سنقتلهم كما يقتلوننا، وسننشر صور جثثهم كما يفعلون  في جثث شهدائنا، المهم الثأر.
تلك مرحلة مختلفة من الهيستريا, أن نتردى لمستوى الإرهاب و نفعل مثلما يفعل، نكاية فيه دون أدنى اعتبار لأننا \”دولة\” يفترض أن تحكمها قواعد وكود أخلاقي واضح.
وكما قلت سابقا: القصاص ضروري، لكن تقديم كباش فداء يفاقم من الأزمة ، يجب أن نتيقن من ذلك.

تصفية مشتبه فيهم حتى لو كانت الشرطة تعلم علم اليقين أنهم مدانون، هو جريمة، والأشد منها جرما أن تؤخذ الأحداث الجارية والرغبة في الثأر كمبرر لمثل ذلك الفعل.
الوضع الآن أصبح مرعبا أكثر من ذي قبل: أفواه مكممة وانعدام لفرص الحوار، تحول اللغة المستخدمة للعنف وتأجيج العواطف واللعب على مشاعر الجمهور، عدم الاهتمام بالبحث عن حلول حقيقية للمشكلة ومحاولة حشد الناس لقبول الدم ونبذ الحديث عن القانون وحقوق الإنسان وتحويل من يتحدث عنهم لخائن أو متعاطف مع الإرهاب .
هيستريا متكاملة الأركان، اللعنة على العدالة والأخلاق والحلول العقلانية.. وأهلا بالمعارك.

فلنجعجع ونطبل على صدورنا كأهل الكهف، ولنستبدل الحوار والتفكير العميق بالخطابات الدموية  والأفكار بدائية الصنع، لكن يجب أن ندرك أن ذلك في النهاية لن ينتج شيئا سوى المزيد من الدماء التي لازال بإمكاننا حقنها.. لكننا لا نفعل.
أهلا بكم في أرض الهيستريا.
رحمة الله على الشهداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top