أحمد تاج يكتب: هل توجد ديمقراطية في إسرائيل؟

منذ عدة أيام كنت أقرأ مقالا على موقع صحيفة \”هآرتس\” الإسرائيلية لكاتب يدعي \”مايكل بريزون\”، وهو كاتب ساخر يكتب في هآرتس منذ ما يقرب من عشرين عاما، كان المقال بعنوان: \”نيتنياهو المسكين، العالم أخذ منه دميته المفضلة – القنبلة الإيرانية\”، والذي احتوى من السخرية والنقد اللاذع لبنيامين نتنياهو وحكومته  الكثير.. وفي أثناء قراءتي للمقال ، وثبت على ذهني عبارة قالها لي أحد المقربين تعقيبا على حديثي معه عن حال الحقوق والحريات في مصر، حيث قال لي: \”ماتكلمنيش عن ديمقراطية وحقوق إنسان، طول ما في إرهاب وجنبنا إسرائيل! لما يبقى في ديمقراطية وحرية في إسرائيل، ابقي كلمني عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر\”.

ودفعني هذا المقال أن أسأل نفسي: هل توجد ديمقراطية في إسرائيل فعلا؟

دعونا أولا نستعرض ما قيل في هذا المقال، والظروف المحيطة به، لكي يسهل علينا الإجابة عن ذلك السؤال.

كما نعلم  جميعا – أو لا نعلم – أن إيران عقدت مع الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن بالإضافة إلي ألمانيا، اتفاقا بمقتضاه سترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، في مقابل تفكيك العديد من المنشآت النووية الإيرانية، في خطوة  قد تؤدي إلى قلب موازين المنطقة بأكملها.

مما دفع إسرائيل – ونتنياهو تحديدا – إلى حافة الجنون، حيث إن نشاط إيران النووي كان هو الشماعة التي يعلق \”نتنياهو\”عليها معظم مواقفه تجاه المنطقة، وظهر جليا هذا الجنون في تصريحاته غير المسئولة عن الاتفاق، ومنها تصريحه في الذكرى الـ 111  لوفاة \”ثيودور هرتزل\” مؤسس الصهيونية الحديثة، والذي  قال فيه إن \”إيران أكثر خطورة من داعش، وإنها تريد السيطرة على العالم\”!

وتحدث \”مايكل بريزون\” في مقاله عن جنون الارتياب الذي أصاب نتنياهو بسبب بوادر هذا الإتفاق, حيث قال:
\”أشعر بالتعاطف الشديد مع بنيامين نتنياهو، فبجرة قلم باردة سيأخد منه حكام العالم لعبته المحببة، قرة عينه ومتاعه وحجر الزاوية  في وجوده ومصدر قوته، والأهم من ذلك كله مصدر أمانه وملاذه.. إنها القنبلة الإيرانية\”.

استكمل \”بريزون\” سخريته قائلا: \”وفقا للكثير من المصادر الغربية، فالجميع يعلم – والمصادر الغربية خصوصا – أن دولة إسرائيل تملك ترسانة محترمة من القنابل الذرية، والتي يربو عددها على 200 قطعة، وهو ما يكفي لتدمير نصف العالم.. بعبارة أخرى نحن لدينا فائض من القنابل، وفي ذلك الفائض يكمن حل مشكلة نتنياهو، كل ما عليه فعله هو أن يغلف قنبلة منهم بورق هدايا ويعطيها لإيران كتبرع من فاعل خير مجهول، وبذلك سيسعد الجميع، إيران ستمتلك قنبلة، والعالم سيكون قد توصل لاتفاق مع إيران بالفعل، وأخيرا نتنياهو الذي سيجد الفرصة مرة أخرى لكي يرعب من حوله بفزاعة القنبلة الإيرانية.. حتى أنا سأصبح أكثر هدوء، فمجرد معرفة أن واحدة من الـ 200 قنبلة خاصتنا موجودة في أيدي أكثر حكمة وهدوء، سيقلل من ضغطي العصبي\”.

على الرغم من أهمية المقال كمحتوى، إلا أنني لم أهتم به، قدر اهتمامي بردود الأفعال حوله، فلم يتهم أحد الكاتب بالخيانة والعمالة وشق الصف الوطني، لم يعنفه أحد على مقاله بحجة أن \”مش وقت سخرية دلوقتي! إحنا في حالة حرب\”، ولم يطالبه أحد بالصمت للحفاظ على الروح المعنوية للدولة و\”الاصطفاف ورائها في هذه الظروف العصيبة\”.. لم يحدث ذلك على الإطلاق.

وإجابة على سؤال: \”هل توجد ديمقراطية في إسرائيل؟\”: لا يهم! حتى لو لم توجد ديمقراطية هناك، فعلى الأقل هم أدركوا أن ترك مساحة  صحية ومناسبة للنقد والسخرية سيفيد الجميع، ومنهم الدولة نفسها، على الرغم من كونهم كيانا استيطانيا يقمع من حوله، إلا أنه أدرك أن حرية مواطنيه وقدرتهم علي التعبير والنقد، ستجعل هذا الكيان أكثر قوة ورسوخا على الأرض.. أدركوا أن النكتة لن تقتل ولن تهدم دولة – حتى لو كانت كيانا معتديا- أدركوا ذلك ونحن \”أصحاب القضية\” لم نفعل!

نحن لانزال نستخدم القمع وتكميم الأفواه ونتشدق بحجج ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، كالحرب علي الإرهاب والحفاظ على الروح المعنوية والاصطفاف الوطني.

الترويج للصمت وعدم المعارضة والكف عن التساؤل بحجة \”الحرب\” هو تضليل لا ريب، فحالة الحرب تلك تستدعي بالضرورة سماء مفتوحة من النقد والسخرية، لكي  يدرك كل ذي منصب أنه مراقب ومعرض للمحاسبة الشعبية في أي وقت، وأن الخطأ غير مسموح به حتى لو كان هذا المسئول  مخلصا في عمله، فإن كانت \”غلطة الشاطر بألف\”، ففي الحرب غلطته بمليون من أبنائنا.

و كذلك لكي يعلم ابنائنا وذوينا ممن يحملون السلاح، أننا نهتم بهم وبسلامتهم، وأنهم ليسوا مجرد شهداء ومصابين سيتم سرد اسمائهم في إحصائية.

النقد والتساؤل يهدفان لرفع الروح المعنوية، وليس العكس كما يروج أصحاب المصالح ممن يريدون أن تبتعد الأنظارعنهم لكي ينفردوا بالقرار وحدهم، ويواروا فشلهم في هدوء دون حساب.

للآسف.. نحن لم ندرك ذلك كله، واعتقد أننا لن ندركه قريبا إلى أن يحدث ما لا يحمد عقباه.. وحتى حينما يحدث ذلك، ستظل موجة التعتيم وحجة الحرب كما هي، حتى لا نجد من نحاسبه على أرواح أبنائنا التي تضيع هدرا ومواردنا التي تستنفذ كل لحظة.
لقد أصبحنا –للأسف- كالقط الذي يطارد ذيله..
نحسب أننا نحارب الأعداء.. لكننا لا نحارب إلا أنفسنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top