أحمد تاج محمد يكتب: يوم الهزيمة

 

الإسكندرية
الثلاثاء، ١٣ يونيو ٢٠١٧

 

اليوم، أعلن ما يسمى \”البرلمان\” حكمه بالإذعان طواعية وتدليسًا لصاحب رأس المال، وتم -عمليًا- تسليم الجزيرتين بغير عدل.

لم أستطع تحمل البيت أكثر من ذلك، خرجت. مقهورًا.
السماء تمطر في منتصف شهر يونيو!
أهي علامة غضب وحنق. موقف اعتراضي عابث يتناسب مع الجنون الذي نعيشه، أم مجرد نتاج للاحتباس الحراري؟ لا يعني شيئا على الإطلاق؟
لا أعلم.

أخرجت رأسي من نافذة الميكروباص، وأسلمت رأسي للهواء يُشعث شعري كما يشاء.
ليونارد كوهين يخترقني بصوته الجنائزي.
\”الجميع يعلم أن الحرب انتهت.
الجميع يعلم أن الأخيار قضوا نحبهم\”

\”الجميع يعلم أن القارب يتسرب له الماء\”

\”الجميع يعلم أن القبطان كذب\”
بكيت، بدموع أبت أن تنساب كسابقاتها.
كما لو كانت عيناي سدًا يحجز وراءه فيضانًا هادرًا.
مهزوم بلا حرب. منزوع السلاح أمام عدو خسيس لا يتورع عن توجيه فوهته تجاه عزل لكي يمرر قرارًا لا يمكن وصفه إلا بالخيانة وما دون ذلك الوصف مجرد موالسة وخجل وقح.
هزيمة لا تقل وطأة عن هزيمة يونيو 1967. كان يونيو كذلك.
لكن على الأقل وقتها، الناس كانت تشعر أن هنالك حدث جلل يحوم فوق رؤوسهم.
شعروا بالهزيمة فعلًا.
الآن، لا أرى إلا الخدر على وجوه لا تعبأ بشئ. الموت يسير على قدمين.
وبسؤال ملؤه الحيرة والحسرة وقدر لا بأس به من النرجسية: هل أنا الحي الوحيد ههنا؟ ألا يشعرون أن ثمة شئ ما يحدث؟
لا أعلم.
لأول مرة أتعاطف مع الديكتاتور.
الديكتاتور يقتل من شعبه من يقول \”لا\”.
لكن، لِمّ لا يحدث ذلك لمن لا يقولها؟
جزء مني لا يستطيع لومهم على قلة حيلتهم -وحيلتي- والجزء الآخر يود لو أنني أخنقهم فرادى واحدًا تلو الآخر ثم أشنق نفسي بأمعاء آخرهم.

عنيف. أليس كذلك؟ دائما ما يفرز الغضب أفكارًا مقيتة كتلك، ولكن هذا هو الغضب على أية حال.
حتى المساحات الآمنة التي كنت أنفث فيها عن ذلك الغضب تتلاشى هي الأخرى، الفضاء الافتراضي يضيق علي كأركان غرفة تنكمش وتتداعى فوق رأسي حتى تستحيل قبرًا.
المواقع تحجب كذلك بقوة السلاح، وأنا عاجز عن المقاومة.
كل يوم يسلب مني شئ في هذه البلد، ويجب علي أن أساوم وأتعايش كما لو لم أمتلك هذا الشئ من الأساس.
الغضب يملؤني تجاه كل شئ. البيت، قمامة الشارع، العلاقات الإنسانية الراكدة، المستقبل الذي لا ملامح له.
تجاه نفسي وعجزي.
لا شئ بيدي سوى تلك الكلمات الهزيلة التي على الأرجح لن يقرأها إلا أصدقائي.
كلمات تسجل موقفي. للتاريخ! أي تاريخ؟ التاريخ لا يراني. سيمرق عليّ بعجلاته العملاقة يهرسني كبعوضة ولن يتذكرني أحد أو شئ.
لا أعلم ماذا يمكنني أن أفعل سوى ذلك، لا أعلم.
لا أعلم أي شئ على الإطلاق.
لكن ما أعلمه علم اليقين أنني مهزوم.
وأنني غاضب.
أنا غاضب.
عقلي يعتصره الغضب ولهيب الكيد في حلقي.
لن أسمح أن يسلب مني شئ آخر.
كفى.
أنا غاضب.
وأنت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top